(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٢) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (٢٣)
ليسوا سواءً محياهم ومماتهم : متابعة للآيات السابقة التي كان الكلام فيها يدور حول فئتين هما : المؤمنون والكافرون ، أو المتقون والمجرمون ، فإنّ أولى هذه الآيات قد جمعتهما في مقارنة أصولية بينهما ، فقالت : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ).
«اجترحوا» : في الأصل من الجرح الذي يصيب بدن الإنسان أثر إصابته بحادث ، ولما كان إرتكاب الذنب والمعصية كأنّما يجرح روح المذنب ، فقد استعملت كلمة الإجتراح بمعنى إرتكاب الذنب.
فإنّ الآية تقول : إنّه لظن خاطئ أن يتصوروا أنّ الإيمان والعمل الصالح ، أو الكفر والمعصية ، لا يترك أثره في حياة الإنسان ، فإنّ حياة هذين الفريقين ومماتهم يتفاوتان تماماً.
أمّا الآية التالية فإنّه تفسير لسابقتها وتعليل لها ، إذ تقول : (وَخَلَقَ اللهُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ). فكلّ العالم يوحي بأنّ خالقه قد خلقه وجعله يقوم على محور الحق ، وأن يحكم العدل والحق كل مكان ، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن أن يجعل الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمجرمين الكافرين.
وكذلك فإنّ الآية الأخيرة من هذه الآيات توضيح وتعليل آخر لعدم المساواة بين الكافرين والمؤمنين ، إذ تقول : (أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَيهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ).
ولا صنم أخطر من إتباع هوى النفس الذي يوصد كل أبواب الرحمة وطرق النجاة بوجه الإنسان؟
في تفسير القرطبي عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «ما عبد تحت السماء إله أبغض إلى الله من الهوى».