عاقبة أعمال الكافرين الضالين المتجرئين على الله ، فتقول : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مّنَ الْجِنّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ). وأي خسارة أعظم من أنّهم خسروا كل رأس مال وجودهم إذ اشتروا به غضب الله عزوجل وسخطه.
أمّا الآية الأخيرة من هذه الآيات فإنّها تشير أوّلاً إلى تفاوت درجات كلا الفريقين ، فتقول : (وَلِكُلّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا). فليس كل أصحاب الجنة أو أصحاب النار في درجة واحدة ، بل إنّ لكل منهما درجات ومراتب تختلف باختلاف أعمالهم ، وحسب خلوص نيّتهم وميزان معرفتهم ، وأصل العدالة هو الحاكم هنا تماماً.
«الدرجات» : جمع «درجة» ، وتقال عادةً للسلالم التي يصعد الإنسان بتسلقها إلى الأعلى ؛ و «الدركات» جمع «درك» ، وهي تقال للسلّم الذي ينزل منه الإنسان إلى الأسفل ، ولذلك يقال في شأن الجنة : درجات ، وفي شأن النار : دركات ، لكن لما كانت الآية مورد البحث قد تحدثت عنهما معاً ، ولأهمية مقام أصحاب الجنة ، ورد لفظ (الدرجات) للأثنين ، وهو من باب التغليب.
ثم تضيف الآية : (وَلِيُوَفّيَهُمْ أَعمَالَهُمْ) وهذا التعبير إشارة اخرى إلى مسألة تجسم الأعمال ، حيث أنّ أعمال ابن آدم ستكون معه هناك ، فتكون أعماله الصالحة باعثاً على الرحمة به واطمئنانه ، وأعماله الطالحة سبباً للبلاء والعذاب الأليم.
وتقول الآية أخيراً كتأكيد على ذلك : (وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ) لأنّهم سيرون أعمالهم وجزاءها ، فكيف يمكن تصور الظلم والجور؟
(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) (٢٠)
الزهد والإدخار للآخرة : تستمر هذه الآية في البحث حول عقوبة الكافرين والمجرمين ، وتذكر جانباً من أنواع العذاب الجسمي والروحي الذي سينال هؤلاء ، فتقول : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيّبَاتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا).
نعم ، فقد كنتم غارقين في الشهوات ، ولم تكونوا تعرفون شيئاً إلّاالتمتع بطيّبات هذا العالم ونعمه المادية ، ومن أجل أن تكونوا متحللين من كل القيود في هذا المجال ، أنكرتم المعاد لتطلقوا لأنفسكم العنان ، وسخرتم هذه المواهب من أجل إنزال كل أنواع الظلم والجور بحق الآخرين.