(فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِى الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ). فاليوم ترون جزاء كل ذلك التمتع الباطل ، واتّباع الشهوات الأعمى ، وعبادة الهوى ، والإستكبار والفسق والفجور وتذوقون العذاب المذل والمهين بسبب تلكم الأعمال.
إنّ هذا العرض بحد ذاته نوع من العذاب الأليم المرعب ، حيث يرى الكافرون بأعينهم كل أقسام جهنم من الخارج قبل أن يردوها ، وليشاهدوا مصيرهم المشؤوم ويتعذبوا ويتألموا له.
لقد ذكر في ذيل هذه الآية ذنبان لأصحاب الجحيم ، الأوّل : الإستكبار ، والثاني : الفسق. ويمكن أن يكون الأوّل إشارة إلى عدم إيمانهم بآيات الله وبعث الأنبياء والقيامة ، والثاني إشارة إلى أنواع الذنوب والمعاصي ، فأحدهما يتحدّث عن ترك أصول الدين ، والآخر عن تضييع فروع الدين (١).
(وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَنْ تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (٢٥)
قوم عاد والريح المدمرة : لمّا كان القرآن يذكر قضايا كلية ، ثم يتطرق إلى بيان مصاديق واضحة لها ، ليطبق تلك الكليات. فإنّه هنا يسلك نفس السبيل ، فبعد أن فصل حال المستكبرين المتمردين ، تطرّق إلى ذكر قصة قوم عاد الذين هم صورة واضحة لأولئك العتاة ، فتقول الآية : (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ).
إنّ التعبير بالأخ يعكس منتهى صفاء هذا النبي العظيم وحرصه على قومه.
ثم تضيف الآية : (إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ).
__________________
(١) الميزان في تفسير القرآن ١٨ / ٢٠٦.