لستم بأقوى من قوم عاد أبداً : إنّ هذه الآيات بمثابة استنتاج للآيات السابقة التي كانت تتحدث عن عقاب قوم عاد الأليم ، فتخاطب مشركي مكة وتقول : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ).
فقد كانوا أقوى منكم من الناحية الجسمية ، وأقدر منكم من ناحية المال والثروة والإمكانات المادية ، ولكن عجزوا عن الوقوف أمام عاصفة العذاب الإلهي ، فكيف بكم إذن.
ثم تضيف الآية : (وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفِدَةً). فقد كانوا أقوياء في مجال إدراك الحقائق وتشخيصها أيضاً ، وكانوا يدركون الامور جيداً ، وكانوا يستغلون هذه المواهب الإلهية من أجل تأمين حاجاتهم ومآربهم المادية على أحسن وجه ، لكن : (فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفِدَتُهُم مّن شَىْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بَايَاتِ اللهِ).
وأخيراً : (وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ).
ثم تخاطب الآية مشركي مكة من أجل التأكيد على هذا المعنى ، ولزيادة الموعظة والنصيحة ، فتقول : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مّنَ الْقُرَى).
اولئك الأقوام الذين لا تبعد أوطانهم كثيراً عنكم ، وكان مستقرهم في أطراف جزيرة العرب.
ثم تضيف الآية بعد ذلك : (وَصَرَّفْنَا الْأَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
وتوبخ الآية الأخيرة من هذه الآيات هؤلاء العصاة ، وتذمهم بهذا البيان : (فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ قُرْبَانًاءَالِهَةً).
حقّاً ، إذا كانت هذه الآلة على حق ، فلماذا لا تعين أتباعها وعبادها وتنصرهم في تلك الظروف الحساسة ، ولا تنقذهم من قبضة العذاب المهول المرعب؟ إنّ هذا بنفسه دليل محكم على بطلان عقيدتهم حيث كانوا يظنّون أنّ هذه الآلهة المخترعة هي ملجأهم وحماهم في يوم تعاستهم وشقائهم.
ثم تضيف : (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ). فإنّ هذه الموجودات التي لا قيمة لها ولا أهمية ، والتي ليست مبدأ لأي أثر ، ولا تأتي بأي فائدة ، وهي عند العسر صماء عمياء ، فكيف تستحق الألوهية وتكون أهلاً لها؟
وأخيراً تقول الآية : (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ). فإنّ هذا الهلاك والشقاء ، وهذا