لكن ، قيل لهم سريعاً بأنّ هذا ليس سحاباً ممطراً : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ).
والظاهر أنّ المتكلم بهذا الكلام هو الله سبحانه ، أو أنّ هوداً لمّا سمع صرخات فرحهم واستبشارهم قال لهم ذلك.
نعم ، إنّها ريح مدمّرة : (تُدَمّرُ كُلَّ شَىْءٍ بِأَمْرِ رَبّهَا).
قال بعض المفسرين : إنّ المراد من (كُلَّ شَىْءٍ) البشر ودوابهم وأموالهم ، لأنّ الجملة التالية تقول : (فَأَصْبَحُوا لَايُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ). وهذا يوحي بأنّ مساكنهم كانت سالمة ، أمّا هم فقد هلكوا ، وألقت الرياح القوية أجسادهم في الصحاري البعيدة ، أو في البحر.
روى أنّ الريح كانت تحمل الفسطاط فترفعها في الجوّ حتى يرى كأنّها جرادة ، وقيل : أوّل من أبصر العذاب امرأة منهم قالت رأيت فيها كشهب النار ، وروى أنّ أوّل ما عرفوا به أنّه عذاب أليم أنّهم رأوا ما كان في الصحراء من رجالهم ومواشيهم يطير به الريح بين السماء والأرض فدخلوا بيوتهم وغلقوا أبوابهم فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم وأحال الله عليهم الأحقاف ، فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام لها أنين.
وجاء في الآية (٧) من سورة الحاقة : (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ).
ثم كشف الريح عنهم فاحتملتهم فطرحتهم في البحر (١).
وتشير الآية في النهاية إلى حقيقة ، وهي أنّ هذا المصير غير مختص بهؤلاء القوم الضالين ، بل : (كَذلِكَ نَجْزِى الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ).
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (٢٦) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْ لَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٨)
__________________
ـ علامات السحب الممطرة بأنّها ت تسع في ذلك الأفق ثم تصعد ؛ و «الأودية» : جمع «واد» ، وهو المنخفض ومجرى السيول والمياه.
(١) التفسير الكبير ٢٨ / ٢٨.