يصغون إلى أخبار السماء عن طريق استراق السمع ، ومع ظهور نبي الخاتم صلىاللهعليهوآله رجعوا إليه واتّجهوا نحو القرآن.
ثم تضيف الآية : (فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا). وذلك حينما كان النبي صلىاللهعليهوآله يتلو آيات القرآن في جوف الليل ، أو في صلاة الصبح.
وأخيراً أضاء نور الإيمان قلوب هؤلاء ، فلمسوا في أعماقهم كون آيات القرآن حقاً ، ولذلك : (فَلَمَّا قُضِىَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ).
وتبيّن الآية التالية كيفية دعوة هؤلاء قومهم عند عودتهم إليهم ، تلك الدعوة المتناسقة الدقيقة ، الوجيزة والعميقة المعنى : (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى).
ومن صفاته أنّا رأيناه يصدق الكتب السماوية السالفة ويتطابق معها في محتواها ، وفيه العلائم الواردة في تلك الكتب : (مُصَدّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ).
وصفته الاخرى أنّه : (يَهْدِى إِلَى الْحَقّ). بحيث إنّ كل من يستند إلى عقله وفطرته يرى آيات حقانيته واضحة جلية.
وآخر صفة أنّه يهدي إلى الرشد : (وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ).
ثم أضافوا : (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِىَ اللهِ وَءَامِنُوا بِهِ). إذ ستمنحون حينها مكافأتين عظيمتين : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (١).
المراد من : (دَاعِىَ اللهِ) نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله الذي كان يرشدهم إلى الله سبحانه.
وتذكر الآية الأخيرة ـ من هذه الآيات ـ كلام مبلغي الجن ، فتقول : (وَمَن لَّايُجِبْ دَاعِىَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِى الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ). ينصرونه من عذاب الله ، ولذلك فإنّ : (أُولئِكَ فِى ضَللٍ مُّبِينٍ).
أي ضلال أشد وأسوأ وأجلى من أن يهبّ الإنسان إلى محاربة الحق ونبي الله ، بل حتى إلى محاربة الله الذي لا ملجأ له سواه في كل عالم الوجود ، ولا يستطيع الإنسان أن يفر من حكومته إلى مكان آخر؟!
* * *
__________________
(١) «يجركم» : من مادة «إجارة» ، وقد وردت بمعان مختلفة : الإغاثة ، الإنقاذ من العذاب ، الإيواء ، والحفظ.