فأعداؤه شمروا عن سواعدهم للفتك به ، حتى أنّ أقاربه وعشيرته كانوا في الخط الأوّل في هذه المجابهة.
لقد فرضوا عليه الحصار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بحيث أغلقوا جميع الأبواب والطرق بوجهه وبوجه أتباعه ، حتى مات بعضهم جوعاً ، وأقعد المرض بعضهم الآخر.
لقد مرّت على النبي صلىاللهعليهوآله أيّام يصعب على القلم واللسان وصفها ، فعندما جاء إلى الطائف ليدعو الناس إلى الإسلام ، لم يكتفوا بعدم إجابة دعوته ، بل رموه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه.
لقد كانوا يحثّون الجهلاء من الناس على أن يصرخوا ، ويسيؤوا في كلامهم إليه ، فعمد إلى ظل حبلة من عنب ، وقال : «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت ربّ المستضعفين ، وأنت ربّي ، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدوّ ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ...» (١).
كانوا يسمونه ساحراً تارة ، واخرى يخاطبونه بالمجنون.
كانوا يلقون التراب والرماد على رأسه حيناً ، وحيناً يجمعون على قتله ، فيحاصرون بيته بالسيوف والرماح.
إلّا أنّه رغم كل تلك الظروف استمر في صبره وصموده واستقامته.
وأخيراً جنى الثمرة الطيبة لهذه الشجرة المباركة ، فقد عمّ دينه شرق العالم وغربه ، لا جزيرة العرب وحدها ، ويدوّي اليوم صوت انتصاره صباح مساء في كل أرجاء الدنيا ، وفي قارات العالم الخمسة ، وهذا هو معنى : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ).
|
«نهاية تفسير سورة الأحقاف» |
* * *
__________________
(١) سيرة النبي صلىاللهعليهوآله ، لابن هشام ٢ / ٢٨٥ ؛ تاريخ الطبري ٢ / ٨٠.