على أساس ملاحظة ما مرّ في الآيات السابقة حول المعاد وعقاب الكافرين ، أن : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) فلست الوحيد الذي واجه مخالفة هؤلاء القوم وعداوتهم ، فقد واجه أولوا العزم هذه المشاكل وثبتوا أمامها واستقاموا.
عبارة (من الرّسل) إشارة إلى فئة خاصة من الأنبياء كانوا أصحاب شريعة ، وهم الذين أشارت إليهم الآية (٧) من سورة الأحزاب : (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا).
وقد رويت في هذا الباب روايات كثيرة في مصادر الشيعة والسنّة ، تدل على أنّ الأنبياء أولي العزم كانوا خمسة.
ثم يضيف القرآن بعد ذلك : (وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ). أي للكفار لأنّ القيامة ستحل سريعاً ، وسيرون بأعينهم ما أطلقوه عليها وادعوه فيها ، ويجزون أشد العذاب ، وعندها سيطلعون على أخطائهم ، ويعرفون ما كانوا عليه من الضلالة والغي.
إنّ عمر الدنيا قصير جدّاً بالنسبة إلى عمر الآخرة ، حتى : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مّن نَهَارٍ).
ثم تضيف الآية كتحذير لكل البشر : (بَلغٌ) لكل اولئك الذين خرجوا عن خط العبودية لله تعالى .. لُاولئك الغارقين في بحر الحياة الدنيا السريعة الزوال والفناء ، والعابدين شهواتها .. وأخيراً هو بلاغ لكل سكان هذا العالم الفاني.
وتقول في آخر جملة تتضمن استفهاماً عميق المعنى ، وينطوي على التهديد : (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ).
ملاحظة
كان نبي الخاتم مثال الصبر والإستقامة : إنّ حياة أنبياء الله العظام ـ وخاصة نبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ـ تبيان لمقاومتهم اللامحدودة أمام الحوادث الصعبة والشدائد العسيرة ، والعواصف الهوجاء ، والمشاكل القاصمة ، ولما كان طريق الحق مليئاً بهذه المشاكل دائماً ، فيجب على سالكيه أن يستلهموا العبر من أولئك العظماء في هذا المسير.
إنّنا ننظر عادة من نقطة مضيئة في تاريخ الإسلام إلى أيّام مرّت على الإسلام ونبيّه صلىاللهعليهوآله صعبة مظلمة ، وهذه النظرة من المستقبل إلى الماضي تجسم الوقائع والحقائق بشكل آخر ، فينبغي علينا أن ندرك أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان وحيداً فريداً.