يجب الحزم في ساحة الحرب : إنّ الآيات السابقة كانت مقدمة لتهيئة المسلمين من أجل إصدار أمر حربي مهم ذكر في الآيات مورد البحث ، فتقول الآية : (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرّقَابِ).
من البديهي أنّ «ضرب الرقاب» كناية عن القتل ، فإنّ الهدف هو دحر العدو والقضاء عليه ، ولما كان ضرب الرقاب أوضح مصداق له ، فقد أكّدت الآية عليه.
فإنّ هذا الحكم مرتبط بساحة القتال ، لأنّ «لقيتم» ـ من مادة اللقاء ـ تعني الحرب والقتال في مثل هذه الموارد.
ثم تضيف الآية : (حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ).
«أثخنتموهم» : من مادة «ثخن» ، بمعنى الغلظة والصلابة ، ولهذا تطلق على النصر والغلبة الواضحة ، والسيطرة الكاملة على العدو.
فإنّ الآية المذكورة تبيّن تعليماً عسكرياً دقيقاً ، وهو أنّه يجب أن لا يُقدم على أسر الأسرى قبل تحطيم صفوف العدو والقضاء على آخر حصن لمقاومته ، لأنّ الإقدام على الأسر قد يكون سبباً في تزلزل وضع المسلمين في الحرب ، وسيعيق المسلمين الإهتمام بأمر الأسرى ونقلهم إلى خلف الجبهات عن أداء واجبهم الأساسي.
وتبيّن الجملة التالية حكم أسرى الحرب الذي يجب أن يقام بحقّهم بعد انتهاء الحرب ، فتقول : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً).
وعلى هذا لا يمكن قتل الأسير الحربي بعد انتهاء الحرب ، بل إنّ ولي أمر المسلمين ـ طبقاً للمصلحة التي يراها ـ يطلق سراحهم مقابل عوض أحياناً ، وبلا عوض أحياناً اخرى ، وهذا العوض ـ في الحقيقة ـ نوع من الغرامة الحربية التي يجب أن يدفعها العدو.
طبعاً يوجد حكم ثالث في الإسلام فيما يتعلق بهذا الموضوع ، وهو استعباد الأسرى ، إلّا أنّه ليس أمراً واجباً ، بل هو راجع إلى ولي أمر المسلمين ينفّذه عندما يراه ضرورة في ظروف خاصة ، ولعلّه لم يرد في القرآن بصراحة لهذا السبب ، بل بيّنته الرّوايات الإسلامية فقط.
ثم تضيف الآية بعد ذلك : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا). فلا تكفوا عن القتال حتى تحطّموا قوى العدو ويصبح عاجزاً عن مواجهتكم ، وعندها سيخمد لهيب الحرب.
ثم تضيف الآية : (ذلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ). بالصواعق السماوية ، والزلازل ،