(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَا ذَا قَالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (١٩)
تعكس هذه الآيات صورة عن وضع المنافقين ، وطريق تعاملهم مع الوحي الإلهي ، وكلمات النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، ومسألة قتال أعداء الإسلام ومحاربتهم.
تقول الآية الاولى من الآيات مورد البحث : (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَءَانِفًا). وكان مرادهم من ذلك الرجل هو النبي صلىاللهعليهوآله.
إنّ تعبير هؤلاء في شأن النبي وكلماته البليغة ، كان من القبح والبذاءة إلى درجة تدل على أنّهم لم يؤمنوا بالوحي السماوي قط.
«آنفاً» : من مادة «أنف» ، ولمّا كان للأنف بروزاً متميّزاً في وجه الإنسان ، فإنّ هذه الكلمة تستعمل في شأن أشراف القوم ، وكذلك تستعمل في مورد الزمان المتقدم على زمان الحال ، كما جاء في الآية مورد البحث.
إلّا أنّ القرآن الكريم قد أجابهم جواباً قاطعاً ، فقال : إنّ كلام النبي صلىاللهعليهوآله لم يكن غامضاً ولا معقّداً ، بل (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ).
ويقف المؤمنون الحقيقيون في الطرف المقابل لهؤلاء ، وعنهم تتحدث الآية التالية فتقول : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَءَاتَاهُمْ تَقْوَيهُمْ).
نعم ، لقد خطا هؤلاء الخطوة الاولى بأنفسهم ، واستخدموا عقلهم وفطرتهم في هذا المسير ، ثم أخذ الله سبحانه بيدهم كما وعدهم من قبل ، فزادهم هدى إلى هداهم.
وتحذّر الآية التالية اولئك المستهزئين الذين لا إيمان لهم ، فتقول : (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَيهُمْ).
إنّ هؤلاء لم يذعنوا للحق حيث كان الإيمان واجباً عليهم ، ومفيداً لهم ، بل كانوا في طغيانهم يعمهون ، وبآيات الله يستهزئون ، غير أنّهم يوم يرون الحوادث المرعبة وبداية القيامة تهزّ العالم وتزلزله ، يصيبهم الفزع ويظهرون خضوعهم ويؤمنون ، ولا ينفعهم يومئذ