وصف آخر للجنة : إنّ هذه الآية وصف لمصير كل من المؤمنين والكافرين ، فالفئة الاولى الذين يعملون الصالحات ، والثانية زيّن لهم سوء أعمالهم.
وقد رفعت هذه الآية الغطاء عن ستة أنواع من نعم أهل النعيم ، وعن نوعين من أنواع العذاب الأليم لأصحاب الجحيم ، وهي تحدد عاقبة كلا الفريقين وتوضحها.
تتحدث الآية عن أربعة أنهار في الجنة ، لكل منها سائله ومحتواه الخاص ، ثم تتحدث عن فواكه الجنة ، وأخيراً عن بعض المواهب المعنوية. تقول الآية أوّلاً : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِءَاسِنٍ).
ثم تضيف : (وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) وذلك أنّ الجنة مكان لا يعتريه الفساد ، ولا تتغيّر أطعمة الجنة بمرور الزمن ، وإنّما تتغيّر الأطعمة في هذه الحياة الدنيا ، لوجود أنواع الميكروبات التي تفسد المواد الغذائية بسرعة.
ثم تطرّقت إلى ثالث نهر من أنهار الجنة ، فقالت : (وَأَنْهَارٌ مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ).
لا يخفى أنّ خمر الجنة وشرابها لا علاقة له بخمر الدنيا الملوّث مطلقاً ، بل هو كما يصفه القرآن في الآية (٤٧) من سورة الصافات : (لَافِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ) ، وليس فيه إلّا العقل والنشاط واللذة الروحية.
وأخيراً تبيّن الآية رابع أنهار الجنة بأنّه : (وَأَنْهَارٌ مّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى).
وعلاوة على هذه الأنهار المختلفة التي خلق كل منها لغرض ، فقد تحدثت الآية عن فواكه الجنة في الموهبة الخامسة ، فقالت الآية : (وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثَّمَرَاتِ).
وأخيراً تتحدث عن الموهبة السادسة التي تختلف عن المواهب المادية السابقة ، إذ إنّ هذه الهبة معنوية روحية ، فتقول : (وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ).
ولنرَ الآن ماذا سيكون مصير الفريق المقابل للمؤمنين ، أي الكفار؟
تقول الآية متابعة لحديثها : (كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِى النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ).
جملة (سُقُوا) بصيغة الفعل المبني للمجهول ، توضح أنّ أصحاب الجحيم يسقون الماء الحميم بالقوة ، لا بإرادتهم ، وبدل الإرتواء في تلك النار المحرقة فإنّه يقطّع أمعاءهم ، وكما هي طبيعة الجحيم ، فإنّهم يرجعون إلى حالتهم الاولى ، حيث لا موت هناك.