الله تعالى ، أمّا الكافرون فإنّ هدفهم ينصب على الأكل والشرب والنوم والتمتع بلذات الحياة.
ومن أجل إكمال هذا الهدف تقارن الآية التالية بين مشركي مكة وعبدة الأوثان الماضين ، وبعبارة أوضح ، فإنّها تهدّدهم تهديداً شديداً ، وتؤكّد ضمنياً على بعض جرائمهم الشنيعة التي تدلّ على جواز قتالهم فتقول : (وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِى أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ).
فلا يظنّ هؤلاء أنّ الدنيا مستوسقة لهم إلى درجة أنّهم اجترؤوا على إخراج أشرف رسل الله من أقدس المدن ، فإنّ الأمر لا يدوم كذلك ، فهم بالقياس إلى قوم عاد وثمود والفراعنة وجيش أبرهة موجودات ضعيفة عاجزة ، والله قادر على تدميرهم بكل سهولة ، والقضاء عليهم يسير على الله سبحانه.
وتطرح آخر الآيات ـ مورد البحث ـ مقارنة اخرى بين المؤمنين والكفار ، بين فئتين تختلفان في كل شيء ، فإحداهما مؤمنة تعمل الصالحات ، وتحيا الاخرى حياة حيوانية بكل معنى الكلمة .. بين فريقين ، أحدهما مستظل بظل ولاية الله سبحانه ، والآخر لا مولى له ولا ناصر ، فتقول : (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مِّن رَّبّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم).
إنّ الفريق الأوّل قد اختاروا طريقهم عن معرفة صحيحة ، ورؤية واقعية ، وعن يقين ودليل وبرهان قطعي ؛ أمّا الفريق الثاني فقد ابتلوا بسوء التشخيص ، وعدم إدراك الواقع ، وظلمة المسير والهدف ، فهم في ظلمات الأوهام حائرون ، والعامل الأساس في هذه الحيرة والضلالة هو اتّباع الهوى والشهوات.
ومن الواضح أنّ الاستفهام في جملة : (أَفَمَن كَانَ ...) استفهام إنكاري ، أي إنّ هذين الفريقين لا يتساويان أبداً.
«البينة» : تعني الدليل الواضح الجلي ، وهي هنا إشارة إلى القرآن ، ومعاجز الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله ، والدلائل العقلية الاخرى.
(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) (١٥)