ولمّا كان القرآن الكريم في كثير من الموارد يعرض للظالمين العاصين نماذج محسوسة ، فقد دعاهم هنا أيضاً إلى التدبّر في أحوال الماضين ، فقال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ).
ومن أجل أن لا يظنّ هؤلاء أنّ ذلك المصير المشؤوم كان مختصّاً بالأقوام الطاغين الماضين ، فقد أضافت الآية : (وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا).
وتناولت آخر آية ـ من الآيات مورد البحث ـ سبب حماية الله المطلقة للمؤمنين ودفاعه عنهم ، وإهلاكه الكافرين الطغاة ، فتقول : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَءَامَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ). «المولى» : بمعنى الولي والناصر ، وبذلك فإنّ الله سبحانه قد تولّى أمر المؤمنين ونصرتهم ، أمّا الكافرون فقد أخرجهم من ظل ولايته ، ومن الواضح أنّه تعالى يعين اولئك المستظلين بظل ولايته ، ويدفع عنهم النوائب ، ويزيل عن طريقهم العراقيل ، ويثبّت أقدامهم ، وأخيراً فإنّهم ينالون مرادهم بنصرة الله ومعونته ، أمّا اولئك الخارجون عن ولايته فإنّ أعمالهم ستحبط ، وتكون عاقبتهم الهلاك.
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (١٢) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) (١٤)
عاقبة المؤمنين والكافرين : لمّا كانت الآيات السابقة تتحدث عن الصراع الدائم بين الحق والباطل ، والإيمان والكفر ، فإنّ الآيات مورد البحث تبيّن عاقبة المؤمنين والكفار من خلال مقارنة واضحة ، وهي بذلك تريد أن توضح أنّ هذين الفريقين لا يختلفان في الحياة الدنيا وحسب ، بل إنّ الاختلاف بينهما سيكون أوسع في الآخرة ، فتقول : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ).
صحيح أنّ كلا الفريقين يعيشون في الدنيا ، ويتنعّمون بمواهبها ولذّاتها ، إلّاأنّ الفرق يكمن في أنّ هدف المؤمنين هو القيام بالأعمال الصالحة ، والأعمال المفيدة البنّاءة لجلب رضى