إن تنصروا الله ينصركم : تستمر هذه الآيات في ترغيب المؤمنين في جهاد أعداء الحق ، وهي ترغّبهم في الجهاد بتعبير رائع بليغ ، فتقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ).
إنّ التأكيد على مسألة «الإيمان» إشارة إلى أنّ إحدى علامات الإيمان الحقيقي هو جهاد أعداء الحق.
وعبارة (تَنصُرُوا اللهَ) تعني نصرة دينه ، ونصرة نبيّه ، وشريعته وتعليماته.
يقول : (يَنصُرْكُمْ) فهو سبحانه يلقي في قلوبكم نور الإيمان ، وفي نفوسكم وأرواحكم التقوى ، وفي أرادتكم القوّة والتصميم أكثر ، وفي أفكاركم الهدوء والإطمئنان.
ومن جانب آخر يرسل الملائكة لمدكم ونصرتكم ، ويغيّر مسار الحوادث لصالحكم ، ويجعل أفئدة الناس تهوي إليكم ، ويجعل كلماتكم نافذة في القلوب ، ويصيّر نشاطاتكم وجهودكم مثمرة. نعم ، إنّ نصرة الله تحيط بالجسم والروح ، من الداخل والخارج ؛ إلّاأنّه سبحانه يؤكّد على مسألة تثبيت الأقدام من بين كل أشكال النصرة ، وذلك لأنّ الثبات أمام العدو أهم رمز للانتصار ، وإنّما يكسب الحرب الذين يصمدون ويستقيمون أكثر.
ولمّا كانت حشود العدو العظيمة ، وأنواع معداتهم وتجهيزاتهم قد تشغل فكر المجاهدين في سبيل الله أحياناً ، فإنّ الآية التالية تضيف : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلُّ أَعْمَالَهُمْ).
وتبيّن الآية التالية علّة سقوط هؤلاء ، وجعل أعمالهم هباءً منثوراً ، فتقول : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ).
لقد أنزل الله سبحانه دين التوحيد قبل كل شيء ، إلّاأن هؤلاء نبذوه وراء ظهورهم وأقبلوا نحو الشرك.
لقد أمر الله سبحانه بالحق والعدالة ، والعفّة والتقوى ، غير أنّهم أعرضوا عنها جميعاً ، واتجهوا صوب الظلم والفساد ، بل إنّهم تشمئز قلوبهم إذا ذكر اسم الله تعالى وحده : (وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِالْأَخِرَةِ) (١).
وإذا كان هؤلاء يتنفّرون من هذه الامور ، فمن الطبيعي أن لا يخطوا خطوة في هذا المسير ، ولقد كانت كل مساعيهم وجهودهم في مسير الباطل وخدمته ، فمن الطبيعي أيضاً أن تحبط كل هذه الأعمال.
__________________
(١) سورة الزمر / ٤٥.