يخافون حتى من اسم الجهاد : تبيّن هذه الآيات المواقف المختلفة للمؤمنين والمنافقين تجاه الأمر بالجهاد ، تكملة للأبحاث التي مرّت في الآيات السابقة حول هذين الفريقين.
تقول الآية الاولى : (وَيَقُولُ الَّذِينَءَامَنُوا لَوْلَا نُزّلَتْ سُورَةٌ).
سورة يكون فيها أمر بالجهاد ، يوضح واجبنا تجاه الأعداء القساة.
وأمّا المنافقون : (فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِىّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ).
إنّ ميدان الجهاد بالنسبة إلى المؤمنين ميدان إظهار عشقهم لمحبوبهم ، ميدان تفجّر الإستعدادت والقابليات ، وهو ميدان الثبات والمقاومة والإنتصار ، ولا معنى للخوف في مثل هذا الميدان. إلّاأنّه بالنسبة إلى المنافقين ميدان موت وفناء وتعاسة ، ميدان هزيمة ومفارقة لذائذ الدنيا ، وهو أخيراً ميدان مظلم يعقبه مستقبل مرعب غامض.
فإنّ الآية تضيف في النهاية فتقول : (فَأَوْلَى لَهُمْ).
إنّ جملة أعلاه تعبّر في الأدب العربي عن التهديد واللعنة ، وتمنّي التعاسة والفناء للآخر.
وتضيف الآية التالية : (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ).
ثم تضيف : (فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ). وسيرفع رؤوسهم في الدنيا ، ويمنحهم العزّة والفخر ، ويؤدّي إلى أن ينالوا الثواب الجزيل ، والأجر الكبير ، والفوز العظيم في الآخرة.
وجملة (عَزَمَ الْأَمْرُ) تشير في الأساس إلى استحكام العمل ، إلّاأنّ المراد منها هنا الجهاد ، بقرينة الآيات التي سبقتها والتي تليها.
وتضيف الآية التالية : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ وَتُقَطّعُوا أَرْحَامَكُمْ). لأنّكم إن أعرضتم عن القرآن والتوحيد ، فإنّكم سترجعون إلى جاهليّتكم حتماً ، ولم يكن في الجاهلية إلّاالفساد في الأرض ، والإغارة والقتل وسفك الدماء ، وقطيعة الرحم ، ووأد البنات.
وتوضح الآية التالية المصير النهائي لهؤلاء القوم المنافقين المفسدين المتذرّعين بأوهى الحجج فتقول : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ).
إنّ هؤلاء يظنّون أنّ الجهاد الإسلامي القائم على أساس الحق والعدالة ، قطيعة للرحم ، وفساداً في الأرض ، أمّا كل الجرائم التي إرتكبوها في الجاهلية ، والدماء البريئة التي سفكوها