أيّام تسلطهم ، والأطفال الأبرياء الذين وأدوهم ودفنوهم وهم أحياء يستغيثون ، كانت قائمة على أساس الحق والعدل! لعنهم الله إذ لا اذن واعية لهم ، ولا عين ناظرة بصيرة.
وتناول آخر آية من هذه الآيات ذكر العلة الحقيقية لانحراف هؤلاء القوم التعساء ، فقالت : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا).
ولهذا ، فإنّ القرآن الكريم يجب أن يأخذ مكانه من حياة المسلمين ، ويكون في صميمها لا على هامشها ، وعليهم أن يجعلوه قدوتهم وأسوتهم ، وأن ينفذوا كل أوامره ، وأن يجعلوا خطوط حياتهم وطبيعتها منسجمة معه.
لكن ، أنّ الاستفادة من القرآن تحتاج إلى نوع من تهذيب النفس وجهادها ، وإن كان القرآن بنفسه معيناً في تهذيبها ، لأنّ القلوب إذا كانت مقفلة بأقفال الهوى والشهوة ، والكبر والغرور ، واللجاجة والتعصّب ، فسوف لا يلجها نور الحق.
(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (٢٨)
أفلا يتدبّرون القرآن : تواصل هذه الآيات الكلام حول المنافقين ومواقفهم المختلفة ، فتقول : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطنُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ).
«سوّل» : من مادة «سُؤْل» ، وهي الحاجة التي يحرص عليها الإنسان ؛ و «التسويل» : بمعنى الترغيب والتشويق إلى الامور التي يحرص عليها ، ونسبته إلى الشيطان بسبب الوساوس التي يلقيها في نفس الإنسان ، وتمنع من هدايته ؛ و «أملى» : من مادة «إملاء» ، وهو زرع طول الأمل فيهم ، والآمال البعيدة المدى ، والتي تشغل الإنسان ، فتصدّه عن الحق والهدى.
وتشرح الآية التالية علّة هذا التسويل والتزيين الشيطاني ، فتقول : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الْأَمْرِ). وهذا دأب المنافقين في البحث عن