العصاة والمخالفين ، وإذا لم يكونوا مشتركين ومتفقين معهم في كل المواقف ، فإنّهم يتعاونون معهم على أساس المقدار المتفق عليه من مواقفهم ، بل ويطيعونهم إذا اقتضى الأمر.
بل قد اتجه منافقو المدينة نحو يهود المدينة ـ وهم «بنو النضير» و «بنو قريظة» الذين كانوا يبشرون بالإسلام قبل بعثة النبي صلىاللهعليهوآله ، أمّا بعد ظهوره ومبعثه ، وتعرّض مصالحهم للخطر ، ولحسدهم وكبرهم ، فإنّهم اعتبروا الإسلام ديناً باطلاً ، وغير سليم ـ ولمّا كان هناك قدر مشترك بين المنافقين واليهود في مخالفتهم النبي صلىاللهعليهوآله ، وتآمرهم ضد الإسلام ، فإنّهم اتفقوا مع اليهود على العمل المشترك ضد الإسلام والمسلمين.
وربّما كان جملة (فِى بَعْضِ الْأَمْرِ) إشارة إلى أنّنا نتعاون معكم في هذا الجزء فقط ، فإنّكم تخالفون عبادة الأصنام ، وتعتقدون بالبعث والقيامة ، ونحن لا نتفق معكم في هذه الامور.
وتهدد الآيات هؤلاء في نهايتها فتقول : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ). فهو عليم بكفرهم الباطن ونفاقهم ، وبتآمرهم مع اليهود ، وسيعاقبهم ويجازيهم في الوقت المناسب.
والآية التالية بمثابة توضيح لهذا التهديد المبهم ، فتقول : (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ).
وهم يضربون وجوههم لأنّها اتجهت نحو أعداء الله ، ويضربون أدبارهم لأنّهم أدبروا عن آيات الله ونبيّه.
وتناولت آخر آية من هذه الآيات بيان علّة هذا العذاب الإلهي وهم على إعتاب الموت ، فتقول : (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ).
لأنّ رضى الله سبحانه هو شرط قبول الأعمال وكل سعي وجهد.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغَانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (٣١)
يعرف المنافقون من لحن قولهم : تشير هذه الآيات إلى جانب آخر في صفات المنافقين وعلاماتهم ، وتؤكّد بالخصوص على أنّهم يظنّون أنّ باستطاعتهم أن يخفوا واقعهم وصورتهم الحقيقية عن النبي صلىاللهعليهوآله والمؤمنين دائماً ، وأن ينقذوا أنفسهم بذلك من الفضيحة