الكبرى ، فتقول أوّلاً : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللهُ أَضْغَانَهُمْ).
«الأضغان» : جمع «ضِغْن» ، وهو الحقد الشديد.
إنّ الآية التالية تضيف : (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ). فنجعل في وجوههم علامات تعرفهم بها إذا رأيتهم ، وتراهم رأي العين فتنظر واقعهم عندما تنظر ظاهرهم.
ثم تضيف : (وَلَتَعْرِفَنَّهمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ). فيمكنك في الحال أن تعرفهم من خلال نمط كلامهم. أي : يمكن معرفة المنافقين مرضى القلوب من خلال الكناية في كلامهم ، وتعبيراتهم المؤذية التي تنطوي على النفاق.
في تفسير مجمع البيان عن أبي سعيد الخدري قال : لحن القول بغضهم عليّ بن أبي طالب عليهالسلام. قال : وكنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ببغضهم عليّ بن أبي طالب عليهالسلام (١).
لقد كانت إحدى العلامات البارزة للمنافقين أنّهم كانوا يعادون أوّل من آمن من الرجال ، وأوّل مضحٍ في سبيل الإسلام ، ويبغضونه.
واليوم أيضاً لا تصعب معرفة المنافقين من لحن قولهم ومواقفهم المضادة في المسائل الاجتماعية المهمّة ، وخاصة عند الإضطرابات أو الحروب ، ويمكن التعرف عليهم بأدنى دقّة في أقوالهم وأفعالهم.
وأخيراً تضيف الآية : (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعمَالَكُمْ). فهو يعلم أعمال المؤمنين ما ظهر منها وما بطن ، ويعلم أعمال المنافقين ، وإذا افترضنا أنّ هؤلاء قادرون على إخفاء واقعهم الحقيقي عن الناس ، فهل باستطاعتهم إخفاءه عن الله الذي هو معهم في سرّهم وعلانيهم ، وخلوتهم واجتماعهم؟
وتضيف الآية التالية مؤكّدة وموضحة طرقاً اخرى لتمييز المؤمنين عن المنافقين : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ). الحقيقيين من المتظاهرين بالجهاد والصبر.
__________________
(١) مجمع البيان ٩ / ١٧٦. ثم إنّ جماعة من كبار العامّة نقلوا مضمون هذا الحديث في كتبهم ؛ ومن جملتهم : أحمد بن حنبل في كتاب فضائل الصحابة ، وابن عبد البر في الإستيعاب ، والذهبي في تاريخ أوّل الإسلام ، وابن الأثير في جامع الاصول ، والعلّامة الگنجي في كفاية الطالب ، والسيوطي في الدرّ المنثور ، والآلوسي في روح المعاني ، وأورده جماعة آخرون في كتبهم ؛ وهو يبيّن أنّها إحدى الروايات المسلّمة عن الرسول الأعظم.