إلى المؤمنين مبيّنة خطهم وحالهم ، فقالت : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ).
فإنّ اسلوب الآية يوحي بأنّ من بين المؤمنين أفراداً كانوا قد قصروا في طاعة الله ورسوله وفي حفظ أعمالهم عن التلوث بالباطل ، ولذلك فإنّ الله سبحانه يحذّرهم في هذه الآية.
وجاءت الآية الأخيرة من هذه الآيات موضحة ومؤكّدة لما مرّ في الآيات السابقة حول الكفار ، وتهدي إلى الصراط المستقيم من يريد التوبة إلى طريق الرجوع ، فتقول : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ). لأنّ أبواب التوبة ستغلق بنزول الموت ، ويحمل هؤلاء أوزارهم وأوزار الذين يضلّونهم ، فكيف يغفر الله لهم.
(فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (٣٥)
الصلح المذل : متابعة للآيات السابقة التي كانت تتحدث حول مسألة الجهاد ، تشير هذه الآية إلى أحد الامور الهامة في مسألة الجهاد ، وهو أنّ ضعفاء الإيمان يطرحون غالباً مسألة الصلح للفرار من مسؤولية الجهاد ، ومصاعب ميدان الحرب. ولذلك تقول الآية الشريفة : الآن وقد سمعتم الأوامر الإلهية في الجهاد (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ).
أي : الآن وقد لاحت علائم انتصاركم وتفوّقكم ، كيف تذلّون أنفسكم وترضون بالمهانة باقتراح الصلح الذي لا يعني إلّاالتراجع والهزيمة؟ فليس هذا صلحاً في الواقع ، بل هو استسلام وخضوع ينبع من الضعف والإنهيار ، وهو نوع من طلب الراحة والعافية ، ويقبح بكم أن تتحملوا عواقبه الأليمة الخطرة.
ومن أجل رفع معنويات المسلمين المجاهدين تضيف الآية : (وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعمَالَكُمْ). «يتركم» : من مادة «الوتر» ، وهو المنفرد ، ولذلك يقال لمن قتل قريبه ، وبقي وحيداً : وِتْر. وجاء أيضاً بمعنى النقصان ؛ وفي الآية ـ مورد البحث ـ كناية جميلة عن هذا المطلب ، بأنّ الله سبحانه لن يترككم وحدكم ، بل سيقرنكم بثواب أعمالكم ، خاصّةً وأنّكم تعلمون أنّكم لن تخطوا خطوةً إلّاكتبت لكم ، فلم يكن الله لينقص من أجركم شيئاً ، بل سيضاعفه ويزيد عليه من فضله وكرمه.