عام قابل خرجنا عنك فدخلَتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثاً ، وسلاح الراكب السيوف في القِرَب لا تدخلها بغيرها ...
فلما فرغ النبي صلىاللهعليهوآله من قضيته قال : «قوموا فانحروا ثم احلقوا».
فما فتح في الإسلام قبله فتح كان أعظم منه حيث أمن الناس كلهم بعضهم بعضاً فدخل في الإسلام تينك السنتين مثل ما دخل فيه قبل ذلك وأكثر.
وفي ذلك الحين نزلت سورة الفتح وأعطت للنبي الكريم بشرى كبرى بالفتح المبين (١).
(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) (٣)
نتائج الفتح المبين الكبرى : في هاتين الآيتين بيان للنتائج المباركة من «الفتح المبين» (صلح الحديبية) والتي ورد ذكره في الآية السابقة. فتقول الآيتان : (لّيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَيَنصُرَكَ اللهُ نَصْرًا عَزِيزًا).
وبهذا فإنّ الله منح نبيّه الكريم في ظل هذا الفتح المبين أربع مواهب عظيمة هي : «المغفرة» ، و «إتمام النعمة» ، و «الهداية» و «النصر».
الإجابة على سؤال مهم : تثار هنا سؤال وهو : ما المراد من العبارة الآنفة (لّيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) مع أنّ النبي معصوم من الذنب؟
وللحصول على الإجابة «الجامعة» لهذه الإشكال لابدّ من ذكر مقدمة وهي :
إنّ المهم هو العثور على العلاقة الخفية بين فتح الحديبية ومغفرة الذنب! وبالتدقيق في الحوادث التاريخية وما تمخّضت عنه نصل إلى هذه النتيجة ، وهي أنّه حين يظهر أيّ مذهب حق ويبرز في عالم الوجود فإنّ أصحاب السنن الخرافية الذين يرون أنفسهم ووجودهم في خطر يكيلون التهم والامور التافهة إليه ويشيعون الشائعات والأباطيل وينشرون الأراجيف الكاذبة بصدده. ولكن حين ينال الانتصار وتحظى مناهجه وخططه بالموفقية فإنّ تلك النسب تمضي كما لو كانوا قد رقموا على الماء ، وتتبدّل جميع أقوالهم إلى حسرات وندامة ويقولون عندئذ لم نكن نعلم.
__________________
(١) الكامل في التّاريخ ٢ / ٨٦ ـ ٩٠.