وخاصّة في شأن النبي محمّد صلىاللهعليهوآله كانت هذه التصورات والذنوب التي وصموها به كثيرة ، إذ عدّوه باغياً للحرب والقتال ومثيراً لنار الفتنة معتداً بنفسه لا يقبل التفاهم وما إلى ذلك.
وقد كشف صلح الحديبية أنّ مذهبه على خلاف ما يزعمه أعداؤه إذ كان مذهباً «تقدّمياً» إلهيّاً ..
فهو يحترم كعبة الله وبيته العتيق ولا يهاجم أية جماعة أو قبيلة دون سبب ، ويدعو جميع الناس بحقّ إلى محبوبهم «الله» وإذا لم يضطره أعداؤه إلى الحرب فهو داعية للسلام والصلح والدعة ...
وعلى هذا فقد غسل صلح الحديبية جميع الذنوب التي كانت قبل الهجرة وبعد الهجرة قد نسبت إلى النبي صلىاللهعليهوآله أو جميع الذنوب التي نسبت إليه قبل هذا الحادث أو ستنسب إليه في المستقبل احتمالاً ... وحيث إنّ الله جعل هذا الفتح نصيب النبي فيمكن أن يقال أنّ الله غفر للنبي ذنوبه جميعاً.
والنتيجة أنّ هذه الذنوب لم تكون ذنوباً حقيقية أو واقعية بل كانت ذنوباً تصورية وفي أفكار الناس وظنّهم فحسب ، وكما نقرأ في الآية (١٤) من سورة الشعراء في قصة موسى قوله مخاطباً ربّه : (وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ). في حين أنّ ذنبه لم يكن سوى نصرة المظلوم من بني إسرائيل وسحق ظلم الفراعنة لا غير.
وبديهي أنّ هذا الفعل لا يعدّ ذنباً ، بل دفاع عن المظلومين ولكنّه كان يعدّ ذنباً في نظر الفراعنة وأتباعهم.
وبتعبير آخر : أنّ «الذنب» في اللغة يعني الآثار السيّئة والتبعات التي تنتج عن العمل غير المطلوب ، فكان ظهور الإسلام في البداية تدميراً لحياة المشركين ، غير أنّ إنتصاراته المتلاحقة والمتتابعة كانت سبباً لنسيان تلك التبعات.
وهكذا بالنسبة لمشركي مكة سواءً قبل هجرة النبي أم بعدها إذ كانت أفكارهم وأذهانهم مبلبلة عن الإسلام وشخص النبي بالذات ، غير أنّ إنتصارات الإسلام أزالت هذه التصورات والأفكار.
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (٤)