اللحظة الحسّاسة والذين بايعوه تحت الشجرة أعطاهم أربعة أجور ، ومن أهمّ تلك الأجور والاثابات الأجر العظيم وهو «رضوانه» كما عبّرت عنه الآية (٧٢) من سورة التوبة : (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) .. أيضاً.
ثم تضيف الآية قائلة : (فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ).
سكينة واطمئناناً لا حدّ لهما ، وهم بين سيل الأعداء في نقطة بعيدة عن الأهل والديار والعدو مدجّج بالسلاح ، في حين أن المسلمين عُزّل من السلاح «لأنّهم جاؤوا بقصد العمرة لا من أجل المعركة».
وهذا هو الأجر الثاني والموهبة الإلهية الاخرى.
وفي ذيل هذه الآية إشارة إلى الأجر الثالث إذ تقول الآية : (وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا).
هذا الفتح هو فتح خيبر كما يقول أغلب المفسرين.
والتعبير ب «قريباً» تأييد على أنّ المراد منه «فتح خيبر».
والأجر الرّابع أو النعمة الرابعة التي كانت على أثر بيعة الرضوان من نصيب المسلمين كما تقول الآية التالية هي : (وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا).
وحيث إنّ على المسلمين أن يطمئنوا بهذا الوعد الإلهي اطمئناناً كاملاً فإنّ الآية تضيف في الختام : (وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا).
فإذا ما أمركم في الحديبية أن تصالحوا فإنّما هو على أساس من حكمته ، حكمة كشف عن إسرارها الأستار مضي الزمن ، وإذا ما وعدكم بالفتح القريب والغنائم الكثيرة فهو قادر على أن يُلبس وعده ثياب الإنجاز والتحقّق.
وهكذا فإنّ المسلمين المضحّين الأوفياء أولي الإيمان والإيثار اكتسبوا في ظل بيعة الرضوان في تلك اللحظات الحسّاسة انتصاراً في الدنيا والآخرة ، في حين أنّ المنافقين الجهلة وضعاف الإيمان احترقوا بنار الحسرات.
بحث
البيعة وخصوصيّاتها : «البيعة» من مادة «بيع» وهي في الأصل إعطاء اليد عند إقرار المعاملة. ثم أطلق هذا التعبير على مدّ اليد على المعاهدة.
وتدلّ القرائن على أنّ البيعة ليست من إبداعات المسلمين ، بل هي سنّة متّبعة بين العرب قبل الإسلام ، ولهذا السبب فإنّ طائفة من «الأوس» و «الخزرج» جاؤوا في بداية الإسلام