أمّا الوصف الرابع الذي تذكره الآية عن هؤلاء الأصحاب فهو بيان نيّتهم الخالصة الطاهرة فتقول : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا). فهم لا يعملون رياءً ولا يبتغون من الخلق الثواب ، بل هدفهم رضا الله وفضله فحسب.
أمّا الوصف الخامس فهو عن سيماهم المشرق إذ تقول الآية : (سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِم مّنْ أَثَرِ السُّجُودِ).
إنّ القرآن يضيف بعد بيان هذه الأوصاف : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَيةِ).
فهذه حقيقة مقولة قبلاً وأوصاف وردت في كتاب سماوي نزل منذ أكثر من ألفي عام ...
ولكن لا ينبغي أن ننسى أنّ التعبير ب (وَالَّذِينَ مَعَهُ) يحكي عن معيّة النبي في كل شيء ، في الفكر والعقيدة والأخلاق والعمل لا عن أولئك الذين كانوا في عصره ـ وإن اختلفوا وإيّاه في المنهج.
ثم يتحدّث القرآن عن وصفهم في كتاب سماوي كبير آخر وهو الإنجيل فيقول : (وَمَثَلُهُمْ فِى الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطَهُ فَازَرَهُ وفَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ).
وفي الحقيقة إنّ أوصافهم المذكورة في «التوراة» تتحدث عن أبعاد وجودهم من جهة العواطف والأهداف والأعمال وصورتهم الظاهرية ...
وأمّا الأوصاف الواردة في «الإنجيل» فهي تتحدث عن حركتهم ونموّهم وتكاملهم في جوانب مختلفة (فلاحظوا بدقة).
أجل هم أناس متّصفون بصفات عليا لا يفترون عن الحركة لحظة واحدة ... وينشرون الإسلام بأقوالهم وأعمالهم في العالم ويوماً بعد يوم يزداد عددهم في المجتمع الإسلامي ...
ثم تضيف الآية معقّبة : أنّ هذه الأوصاف العليا وهذا النمو والتكامل السريع وهذه الحركة المباركة بقدر ما تعجب المحبّين وتسرّهم فهي في الوقت ذاته : (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ).
ويضيف القرآن مختتماً هذه الآية المباركة : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).
بديهي أنّ أوصاف أصحاب النبي التي وردت في بداية الآية محل البحث جمعت فيها الإيمان والعمل الصالح ، فتكرار هذين الوصفين إشارة إلى استمرارهما وديمومتهما : أي أنّ الله وعد أولئك الذين بقوا على نهجهم من أصحاب محمّد صلىاللهعليهوآله واستمروا بالإيمان والعمل الصالح.
|
«نهاية تفسير سورة الفتح» |
* * *