محمّد أخرج إلينا. فأزعجت هذه الصرخات غير المؤدبة النبي ، فخرج إليهم فقالوا له : جئناك لنفاخرك فأجز شاعرنا وخطيبنا ليتحدث عن مفاخر قبيلتنا ، فأجازهم النبي صلىاللهعليهوآله فنهض خطيبهم وتحدّث عن فضائلهم الخيالية الوهمية كثيراً ...
فأمر النبي ثابت بن قيس (١) أن يردّ عليهم فنهض وخطب خطبةً بليغة فلم يُبق لخطبة اولئك من أثر ...
ثم نهض شاعرهم وألقى قصيدة في مدحهم فنهض «حسان بن ثابت» فردّ عليه بقصيدة شافية كافية.
فأمر النبي صلىاللهعليهوآله أن تُهدى لهم هدايا ليكتسب قلوبهم إليه فكان أن تأثّروا بمثل هذه المسائل فاعترفوا بنبوته.
فالآيات محل البحث ناظرة إلى هذه القضية والأصوات من خلف الحجرات.
التّفسير
إنّ في محتوى هذه السورة قسماً من المباحث الأخلاقية المهمّة والتعليمات الإنضباطية التي تدعونا إلى تسمية هذه السورة ب «سورة الأخلاق» ، وهذه المسائل والتعليمات تقع في الآيات الأوّل من السورة محل البحث ، والآيات هذه على نحوين من التعليمات.
الأوّل : عدم التقدّم على الله ورسوله وعدم رفع الصوت عند رسول الله صلىاللهعليهوآله ... فتقول الآية الاولى في هذا الصدد : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَاتُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَىِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
والمراد من عدم التقديم بين يدي الله ورسوله هو أن لا يُقترح عليهما في الامور ، وترك العجلة والإسراع أمام أمر الله ورسوله ...
والآية الثانية تشير إلى الأمر الثاني فتقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَاتَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبّىِ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَاتَشْعُرُونَ).
والجملة الاولى : (لَاتَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىّ) إشارة إلى أنّه لا ينبغي رفع الصوت على صوت النبي ، فهو بنفسه نوع من الإساءة الأدبية في محضره المبارك ، والنبي له مكانته ، وهذا الأمر لا يجدر أن يقع أمام الأب والام والأستاذ لأنّه مخالف للإحترام والأدب أيضاً.
__________________
(١) كان ثابت بن قيس خطيب الأنصار وخطيب النبي كما كان حسّان بن ثابت شاعره [اسد الغابة ١ / ٢٢٩].