أمّا جملة : (لَاتَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) فيمكن أن تكون تأكيداً على المعنى المتقدم في الجملة الاولى ، أو أنّها إشارة إلى مطلب آخر ، وهو ترك مخاطبة النبي صلىاللهعليهوآله بالنداء «يا محمّد» والعدول عنه بالقول : «يا رسول الله» ...
وبديهي أنّ أمثال هذه الأعمال إن قصد بها الإساءة والإهانة لشخص النبي ومقامه الكريم فذلك موجب للكفر ، وإلّا فهو ايذاء له وفيه إثم أيضاً ...
وفي الصورة الاولى تتّضح علة الحبط وزوال الأعمال ، لأنّ الكفر يحبط العمل ويكون سبباً في زوال ثواب العمل الصالح ...
وفي الصورة الثانية أيضاً ، لا يمنع أن يكون مثل هذا العمل السيء باعثاً على زوال ثواب الكثير من الأعمال.
وفي الآية الاخرى مزيد تأكيد على الثواب الذي أعدّه الله لُاولئك الذين يمتثلون أمر الله ويراعون الآداب عند رسول الله ، فتقول : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ).
«يغضّون» : مشتقة من غضّ ـ على وزن حظّ ـ ومعناها تقليل النظر أو خفات الصوت ويقابل هذه الكلمة الإمعان بالنظر والجهر بالصوت.
و «امتحن» : مشتقة من الإمتحان ، والأصل في استعمالها إذابة الذهب وتطهيره من غير الخالص ، ثم استعملت بعدئذ في مطلق الاختبار كما هي الحال بالنسبة للآية محل البحث.
أمّا الآية الاخرى فتشير إلى جهل أولئك الذين يجعلون أمر الله وراء ظهورهم ، وعدم إدراكهم فتقول : (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَايَعْقِلُونَ).
وأساساً كلّما ترقّى عقل الإنسان زيد في أدبه فيعرف القيم الأخلاقية بصورة أحسن ومن هنا فإنّ إساءة الأدب دليل على عدم العقل.
«الحجرات» : جمع «حجرة» وهي هنا إشارة إلى البيوت المتعددة لأزواج النبي المجاورة للمسجد .. وأصل الكلمة مأخوذ من «الحَجْر» على وزن الأجر : أي «المنع» لأنّ الحجرة تمنع الآخرين من الدخول في حريم «حياة» الإنسان ... والتعبير ب «وراء» هنا كناية عن الخارج من أي جهة كان.