اهتمّ ببناء المجتمع الإسلامي على أساس المعايير الأخلاقية فإنّه بعد البحث عن وظائف المسلمين في مورد النزاع والمخاصمة بين طوائف المسلمين المختلفة بيّن في الآيتين محل البحث قسماً من جذور هذه الإختلافات ليزول الإختلاف (بقطعها) ويُحسم النزاع.
ففي كل من الآيتين الآنفتين تعبير صريح وبليغ عن ثلاثة امور يمكن أن يكون كل منها شرارة لإشتعال الحرب والاختلاف ، إذ تقول الآية الاولى من الآيتين محل البحث أوّلاً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَايَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ).
لأنّه : (عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ).
(وَلَا نِسَاءٌ مِّن نّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مّنْهُنَّ).
والخطاب موجّه هنا إلى المؤمنين كافة فهو يعمّ الرجال والنساء وينذر الجميع أن يجتنبوا هذا الأمر القبيح ، لأنّ أساس السخرية والاستهزاء هو الإحساس بالاستعلاء والغرور والكبر وأمثال ذلك إذ كانت تبعث على كثير من الحروب الدامية على امتداد التاريخ.
ثم تقول الآية في المرحلة الثانية : (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ).
«تلمزوا» : هي من مادة «لَمْز» على زنة «طنز» ومعناها تتّبع العيوب والطعن في الآخرين.
وتضيف الآية في المرحلة الثالثة أيضاً قائلة : (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ).
هناك الكثير من الأفراد الحمقى قديماً وحديثاً ، ماضياً وحاضراً مولعون بالتراشق بالألفاظ القبيحة ، ومن هذا المنطلق فهم يحقّرون الآخرين ويدمّرون شخصياتهم وربّما انتقموا منهم أحياناً عن هذا الطريق ، وقد يتّفق أنّ شخصاً كان يعمل المنكرات سابقاً ، ثم تاب وأناب وأخلص قلبه لله ، ولكن مع ذلك نراهم يرشقونه بلقب مبتذل كاشف عن ماضيه.
الإسلام نهى عن هذه الامور بصراحة ومنع من إطلاق أي إسم أو لقب غير مرغوب فيه يكون مدعاةً لتحقير المسلم ...
وروي ـ في تفسير مجمع البيان ـ أنّ صفية بنت حيي بن أخطب ، جاءت إلى النبي صلىاللهعليهوآله تبكي فقال لها : «ما وراءك»؟ فقالت : إنّ عائشة تعيّرني وتقول يهودية بنت يهوديين! فقال لها : «هلّا قلت أبي هارون وعمّي موسى وزوجي محمّد». فنزلت الآية.
ولذلك فإنّ الآية تضيف قائلةً : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ). أي قبيح جدّاً على من دخل في سلك الإيمان أن يذكر الناس بسمات الكفر.