ولمزيد التأكيد تقول الآية التالية حاكية عن لسان رب العزة : (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ وَمَا أَنَا بِظَلمٍ لّلْعَبِيدِ).
والمراد من «القول» هنا هو التهديد أو الوعيد الذي أشار إليه الله سبحانه مراراً في آيات متعددة وذكرنا آنفاً أمثلةً منها.
والتعبير ب «ظلّام» وهو صيغة مبالغة معناه إشارة إلى أنّ مقام عدل الله وعلمه في درجة بحيث لو صدر منه أصغر ظلم لكان يعدّ كبيراً جدّاً ولكان مصداقاً للظلّام ، فعلى هذا فإنّ الله بعيد عن أي أنواع الظلم.
إنّ هذا التعبير دليل على أنّ العباد مخيّرون ولديهم الحرية «في الإرادة» فلا الشيطان مجبور على شيطنته وعمله ، ولا الكفار مجبورون على الكفر وأتباع طريق الشيطان ، ولا العاقبة والمصير القطعي الخارج عن الإرادة قد تقرّرا لأحد أبداً.
وفي آخر آية من الآيات محل البحث إشارة إلى جانب قصير ومثير من مشاهد يوم القيامة إذ تقول الآية : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ).
إنّ هذه الآية تدل دلالة واضحة أنّ أهل جهنم كثيرون ، وأنّ صورة جهنم مرعبة وموحشة وأنّ تهديد الله جدّي وحق يربك الفكر في كل إنسان فيهزّه ويحذّره ألّا يكون واحداً من أهلها.
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (٣٥) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (٣٧)
مع الإلتفات إلى أنّ أبحاث هذه السورة يدور أغلبها حول محور المعاد والامور التي تتعلق به ، ومع ملاحظة أنّ الآيات آنفة الذكر تتحدث عن كيفية القاء الكفار المعاندين في نار جهنم وما يلاقونه من عذاب شديد وبيان صفاتهم التي جرّتهم وساقتهم إلى نار جهنم. ففي هذه الآيات محل البحث تصوير لمشهد آخر ، وهو دخول المتقين الجنة بمنتهى التكريم