وإضافةً إلى كل ذلك فإنّه : (لَدَيْنَا مَزِيدٌ) من النعم التي لم تخطر ببال أحد.
وبعد الانتهاء من بيان الحديث حول أهل الجنة وأهل النار ودرجاتهما ، فإنّ القرآن يلفت أنظار المجرمين للعبرة والاستنتاج فيقول : (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِى الْبِلدِ). فكانت تلك الأقوام أقوى من هؤلاء وكانوا يفتحون البلدان ويتسلّطون عليها ، إلّاأنّهم وبسبب كفرهم وظلمهم أهلكناهم ... فهل وجدوا منفذاً ومخرجاً للخلاص من الموت والعذاب الإلهي : (هَلْ مِن مَّحِيصٍ).
«القرن» و «الإقتران» : في الأصل هو «القرب» أو «الإقتراب» ما بين الشيئين أو الأشياء ، ويطلق لفظ «القرن» على الجماعة المتزامنة في فترة واحدة ، ويجمع على «قرون» ، فإهلاك القرون معناه إهلاك الامم السابقة.
و «البطش» معناه حمل الشيء وأخذه بالقوّة والقدرة ، كما يستعمل هذا اللفظ بمعنى الفتك والحرب.
و «المحيص» : معناها الانحراف والعدول عن الشيء ، ومن هنا فقد استعملت هذه الكلمة في الفرار من المشاكل والهزيمة عن المعركة.
فإنّ الآية تنذر الكفار المعاصرين للنبي صلىاللهعليهوآله أن يستقرئوا تاريخ الماضين وأن ينظروا في قصصهم للاعتبار ، ليروا ما صنع بهؤلاء المعاندين الذين كانوا امماً وأقواماً أشد من هؤلاء «وليفكّروا بعاقبتهم أيضاً».
ويضيف القرآن في آخر آية من الآيات محل البحث مؤكّداً أكثر فيقول : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).
والمراد ب «القلب» هنا وفي الآيات الاخر من القرآن التي تتكلم على إدراك المسائل هو العقل والشعور والإدراك.
أمّا (أَلْقَى السَّمْعَ) فكناية عن الإصغاء ومنتهى الإستماع بدقة.
و «الشهيد» : يطلق على من هو حاضر القلب.
وهكذا فإنّ مضمون الآية بمجموعه يعني ما يلي : إنّ هناك فريقين ينتفعان بهذه المواعظ والنصيحة ... فالفريق الأوّل من يتمتع بالذكاء والعقل ... ويستطيع بنفسه أن يحلّل المسائل بفكره.
أمّا الفريق الآخر فليس بهذا المستوى ، إلّاأنّه يمكن أن يلقي السمع للعلماء ويصغي لكلماتهم بحضور القلب ويعرف الحقائق عن طريق الإرشاد.