وبعد ذكر هذه الأقسام الأربعة التي تبيّن أهمية الموضوع الذي يليها ، يقول القرآن : (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ).
ومرّة اخرى لمزيد التأكيد يضيف قائلاً : (وَإِنَّ الدّينَ لَوَاقِعٌ). «الدين» : هنا معناه الجزاء كما جاء بهذا المعنى في قوله تعالى : (مَالِكِ يَوْمِ الدّينِ). أي يوم الجزاء.
وأساساً فإنّ واحداً من أسماء يوم القيامة هو «يوم الدين» و «يوم الجزاء». ويتضح من ذلك أنّ المراد من الوعود الواقعة «هنا» هي ما يوعدون عن يوم القيامة وما يتعلق بها من حساب وثواب وعقاب وجنة ونار وسائر الامور المتعلقة بالمعاد ، فعلى هذا تكون الجملة الاولى شاملة لجميع الوعود ، والجملة الثانية تأكيد آخر على مسألة الجزاء.
(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (١١) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (١٤)
والسماء ذات الحُبك : تبدأ هذه الآيات كالآيات المتقدمة بالقسم وتتحدث عن إختلاف الكفار وجدلهم حول يوم الجزاء والقيامة. فتقول الآيات في البداية : قسماً بالسماء ذات الخطوط والتعرّجات الجميلة : (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ).
«الحبك» : جمع «حباك» وفي اللغة معان كثيرة لها ، وجميع هذه المعاني تعود إلى معنى واحد وهي التجاعيد والتعاريج الجميلة التي تظهر على صفحات الرمل في الصحراء أو صفحات الماء أو التجاعيد في الشعر أو السُحب في السماء.
وتطبيق هذا المعنى على السماء ووصفها بها (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) هو إمّا لنجومها ذات المجاميع المختلفة وصورها الفلكية.
وإمّا للأمواج الجميلة التي ترتسم في السحب أو لمجرّاتها العظيمة. فعلى هذا يكون معنى (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) أنّ القرآن يقسم بالسماء ومجراتها العظيمة.
أمّا الآية التالية فهي جواب للقسم وبيان لما وقع عليه القسم ، إذ تقول مؤكّدة : (إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ). فدائماً أنتم تتناقضون في الكلام ؛ ففي مسألة المعاد تقولون أحياناً : لا نصدّق أبداً أن نعود أحياء بعد أن تصير عظامنا رميماً.
وتارةً تقولون نحن نشك في هذه القضية ونتردد.