وتارةً تضيفون أن هاتوا آباءنا وأسلافنا من قبورهم ليشهدوا أنّ بعد الموت قيامةً ونشوراً لنقبل بما تقولون.
وتقولون في شأن النبي محمّد صلىاللهعليهوآله تارةً بأنّه شاعر ، أو بأنّه ساحر ، وتارةً تقولون أنّه لمجنون ، وتارةً تقولون إنّما يعلمه بشر فهو معلّم.
كما تقولون في شأن القرآن بأنّه : أساطير الأوّلين تارةً ، أو تقولون بأنّه شعر ، وتارةً تسمّونه سحراً ، وحيناً آخر تقولون أنّه كذب إفتراه وأعانه عليه قوم آخرون ... الخ.
فقسماً بحُبك السماء وتجاعيدها إنّ كلامكم مختلف ومليء بالتناقض ، وكأنّ هذا التناقض في كلامكم دليل على أنّه لا أساس لكلامكم أبداً.
وهذا التعبير إنّما هو استدلال على بطلان إدّعاء المخالفين في شأن التوحيد والمعاد والنبي والقرآن «وإن كان إعتماد هذه الآيات في الأساس على مسألة المعاد كما تدل عليه القرينة في الآيات التالية».
وفي الآية التالية يبيّن القرآن علة الانحراف عن الحق فيقول : (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ). أي : يؤفك عن الإيمان بالقيامة والبعث كل مخالف للحق ، وإلّا فإنّ دلائل الحياة بعد الموت واضحة وجليّة.
«الإفك» : في الأصل يطلق على صرف الشيء.
ومع ملاحظة أنّ الكلام كان في الآيات المتقدمة على المعاد والقيامة ، فمن المعلوم أنّ المراد الأصلي من الإنحراف والإفك هنا هو الانحراف عن هذه العقيدة ... كما أنّه حيث كان الكلام في الآية المتقدمة عن اختلاف كلام الكفار وتناقضهم فيعلم أنّ المراد هنا من الآية هم اولئك المنحرفون عن الإيمان بالمعاد الذين انحرفوا عن مسير الدليل العقلي والمنطق السليم الباحث عن الحق.
وفي الآية التالية ذمّ شديد للكاذبين وتهديد لتخرصاتهم ، إذ تقول : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ).
«الخراص» : من مادة «خَرْص» ومعناه في الأصل كل كلام يقال تخميناً أو ظنّاً ، وحيث إنّ مثل هذا الكلام غالباً ما يكون كذباً فقد استعملت هذه الكلمة في الكذب أيضاً.
إنّ القضاء بلا دليل ولا مدرك أو مستند بيّن بل على الظن والحدس هو عمل يسوق إلى الضلال ويستحق اللعن والعذاب.
ثم يعرّف القرآن هؤلاء الخراصين الكذبة فيقول : (الَّذِينَ هُمْ فِى غَمْرَةٍ سَاهُونَ).