«الغمرة» : في الأصل معناها الماء الغزير الذي يغطّي محلاً ما ... ثم استعملت على الجهل السحيق الذي يغطّي عقل الشخص.
و «ساهون» : جمع ل «ساهٍ» وهي مشتقة من «السهو» والمراد بها هنا الغفلة.
فعلى هذا يكون المراد من كلمة «الخرّاصون» هم الغارقون في جهلهم وكل يوم يتذرّعون بحجة واهية فراراً من الحق.
ولذلك فهم دائماً : (يَسَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدّينِ).
جملة «يسألون» والفعل للمضارع يدل على أنّهم يثيرون هذا السؤال أيّان يوم الدين؟! باستمرار ... على أنّه ينبغي أن يكون يوم القيامة وموعده مخفياً ، ليكون محتمل الوقوع في أيّ زمان ، ويحصل منه الأثر التربوي للإيمان بيوم القيامة الذي هو بناء الشخصية والاستعداد الدائم.
إلّا أنّه ومع هذه الحال فإنّ القرآن يردّ عليهم مجيباً بلغة شديدة ويعنّفهم : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ).
وعندئذ يقال لهم هنالك : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِى كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ).
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (١٩)
ثواب المستغفرين بالأسحار : تعقيباً على الكلام المذكور في الآيات آنفة الذكر الذي كان يدور حول الكذبة والجهلة ومنكري القيامة وعذابهم ، في الآيات محل البحث يقع الكلام عن المؤمنين المتقين وأوصافهم وثوابهم لتتجلّى بمقارنة الفريقين ـ كما هو عليه اسلوب القرآن ـ الحقائق أكثر فأكثر. تقول الآيات هنا : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).
وصحيح أنّ البستان بطبيعته يكون ذا سواق وروافد ، لكن ما ألطف أن تتدفّق مياه العيون في داخل البستان نفسه وتسقي أشجاره ... فهذا هو ما تمتاز به بساتين الجنة ... فهي ليست ذات عين واحدة بل فيها عيون ماء متعددة تجري متدفّقه هناك.
ثم يضيف القرآن مشيراً إلى نعم الجنّات الاخر فيتحدث عنها بتعبير مغلق فيقول :