(ءَاخِذِينَ مَاءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ). أي أنّهم يتلقّون هذه المواهب الإلهية بمنتهى الرضا والرغبة والشوق ... ويعقّب القرآن في ختام الآية بأنّ هذه المواهب وهذا الثواب كل ذلك ليس إعتباطاً بل (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ). و «الإحسان» : هنا يحمل معنى وسيعاً بحيث يشمل طاعة الله والأعمال الصالحة الاخر أيضاً.
والآيات التالية تبيّن كيفية إحسانهم ، فتعرض ثلاثة أوصاف من أوصافهم فتقول : أوّلاً :(كَانُوا قَلِيلاً مّنَ الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ).
«يهجعون» : مشتقة من الهجوع ، ومعناه النوم ليلاً. فعلى هذا فهم كل ليلة يحيّون قسماً منها بالعبادة وصلاة الليل ، أمّا الليالي التي يرقدون فيها حتى مطلع الفجر ... وتفوت عليهم العبادة فيها كليّاً ... فهي قليلة جدّاً.
والوصف الثاني من أوصافهم يذكره القرآن بهذا البيان : (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
فحيث إنّ عيون الغافلين هاجعة آخر الليل والمحيط هادىء تماماً ، فلا شيء يشغل فكر الإنسان ويقلق باله ... يصلّون ويستغفرون عن ذنوبهم خاصة.
ثم يذكر القرآن الوصف الثالث لأهل الجنة المتقين فيقول : (وَفِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لّلْسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).
كلمة «حق» هنا هو إمّا لأنّ الله أوجب ذلك عليهم : كالزكاة والخمس وسائر الحقوق الشرعية الواجبة ؛ أو لأنّهم التزموه وعاهدوا أنفسهم على ذلك.
ويمكن أن يقال إنّ الفرق بين المحسنين وغيرهم هو أنّ المحسنين يؤدّون هذه الحقوق ، في حين أنّ غيرهم ليسوا مقيدين بذلك.
وما وصلنا من روايات عن أهل البيت عليهمالسلام يؤكّد أيضاً أنّ المراد من «حق معلوم» شيء غير الزكاة الواجبة.
وفي الفرق بين «السائل» و «المحروم» ، فقال بعضهم «السائل» هو من يطلب العون من الناس ، أمّا «المحروم» فمن يحافظ على ماء وجهه ويبذل قصارى جهده ليعيش دون أن يمدّ يده إلى أحد ، أو يطلب العون من أحد ، بل يصبّر نفسه.
فهذا التعبير يشير إلى هذه الحقيقة وهي لا تنتظروا أن يأتيكم المحتاجون ويمدّوا أيديهم إليكم ، بل عليكم أن تبحثوا عنهم وتجدوا الأفراد المحرومين الذين يعبّر عنهم القرآن بأنّهم