(يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) (١) ... لتساعدوهم وتحفظوا ماء وجوههم.
(وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (٢٣)
آيات الله وآثاره في أنفسكم : تعقيباً على الآيات المتقدمة التي كانت تتحدث عن مسألة المعاد وصفات أهل النار وأهل الجنة ، تأتي هذه الآيات ـ محل البحث ـ لتتحدث عن آيات الله ودلائله في الأرض وفي وجود الإنسان نفسه ليطّلع على مسألة التوحيد ومعرفة الله وصفاته التي هي مبدأ الحركة نحو الخيرات كلها من جهة ، وعلى قدرته على مسألة المعاد والحياة بعد الموت من جهة اخرى ، لأنّ خالق الحياة على هذه الأرض وما فيها من عجائب قادر على تجديد الحياة بعد الموت كذلك. تقول هذه الآية أوّلاً : (وَفِى الْأَرْضِءَايَاتٌ لّلْمُوقِنِينَ).
والحق أنّ دلائل الله وقدرته غير المتناهية وعلمه وحكمته التي لا حد لها في هذه الأرض كثيرة ووفيرة إلى درجة أنّ عمر أي إنسان مهما كان لا يكفي لمعرفتها جميعاً.
ولا بأس أن ننقل هنا جانباً من كلمات بعض العلماء المعروفين في العالم الذين لهم دراسات كثيرة في هذا الصدد : إنّه «كرسي موريسين» فلنصغ إليه قائلاً : «لقد روعي منتهى الدقة في تنظيم العوامل الطبيعية فلو تضخّمت القشرة الخارجية للكرة الأرضية أكثر ممّا كانت عليه عشر مرّات لأنعدم الأوكسجين الذي هو المادّة الأصلية للحياة ، ولو أنّ أعماق البحار كانت أكثر عمقاً ممّا هي عليه قليلاً أو كثيراً ، لأنجذب جميع الأوكسجين والكربون من سطح الأرض ولم يعد أي إمكان لحياة النبات أو الحيوان على سطح الأرض».
ويقول في مكان آخر : «أنّ نسبة الأوكسجين في الهواء هي إحدى وعشرين بالمائة فحسب ، فلو كانت هذه النسبة خمسين بالمائة لأحترق به كل ما من شأنه الاشتعال في هذا العالم ... ولو وصلت شظية صغرى من النار إلى شجرة في غابة لأحترقت الغابة جمعاء» (٢).
ويضيف القرآن في الآية التالية قائلاً : (وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ). أي أفلا تبصرون هذه الآيات في أنفسكم أيضاً.
__________________
(١) سورة البقرة / ٢٧٣.
(٢) أسرار خلق الإنسان ، كرسي موريسين / ٣٣ ـ ٣٦.