ولا شك أنّ الإنسان أعجوبة عالم الوجود وما هو في العالم الأكبر موجود في عالم الإنسان الأصغر أيضاً ، بل في الإنسان عجائب لا توجد في أي مكان من العالم.
إنّ الأجهزة الموجودة في بدن الإنسان كالقلب والكلية والرئة وخاصة عشرات آلاف الكيلومترات من الأعصاب الرقيقة أو الكبيرة والأعصاب الدقيقة التي لا ترى بالعين المجرّدة وجميعها مسؤولة عن إيصال الغذاء والماء والتهوية إلى عشرة مليون مليارد خلية ، والحواس المختلفة كالسمع والبصر والحواس الاخر كل منها آية عظمى من آيات الله.
وأهمّ من كل ذلك لغز الحياة التي لم تعرف أسرارها وبناء الروح أو العقل الإنساني الذي يعجز عن إدراكه عقول جميع الناس.
وقد ورد في حديث عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» (١).
وفي الآية الثالثة من الآيات ـ محل البحث ـ إشارة إلى القسم الثالث من دلائل عظمة الخالق وقدرته على المعاد ، إذ تقول : (وَفِى السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ).
إنّ سعة مفهوم الرزق تشمل حبّات المطر وغيرها كنور الشمس الذي يأتي من السماء وله أثره الفاعل في الحياة ، والهواء الذي هو أساس حياة الموجودات.
إنّ ما يمنع البصيرة ويصدّها عن مطالعة أسرار الخلق هو «الحرص على الرزق» ، فالله سبحانه يطمئن الإنسان في الآية الأخيرة بأنّ رزقه مضمون ، ليستطيع أن ينظر إلى عجائب العالم ويتحقق فيه قوله : (أَفَلَا تُبْصِرُونَ).
وجملة (وَمَا تُوعَدُونَ) فيمكن أن تكون تأكيداً على مسألة الرزق ووعد الله في هذا المجال ، أو أنّ المراد منها عذاب ينزل من السماء.
فهذه الآيات الثلاث فيها ترتيب لطيف ، فالآية الاولى تتحدث عن أسباب وجود الإنسان وحياته ، والآية الثانية تتحدث عن الإنسان نفسه ، والآية الثالثة تتحدث عن أسباب بقائه ودوامه.
لذلك فإنّ الآية الأخيرة من الآيات محل البحث تُقسم فتقول : (فَوَرَبّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ).
وقد بلغ الأمر حدّاً أن يقسم الله على ما لديه من عظمة وقدرة ليُطمئن عباده الشاكّين
__________________
(١) بحار الأنوار ٢ / ٣٢.