على قصّة قوم لوط وعاقبتهم الوخيمة ـ عن قصص أقوام آخرين ممّن مضوا في العصور السابقة. فيقول أوّلاً : (وَفِى مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ).
«السلطان» : ما يكون به التسلط ، والمراد به هنا المعجزة أو الدليل والمنطق العقلي القوي أو كلاهما ، وقد واجه موسى فرعون بهما.
إنّ فرعون لم يسلّم لمعجزات موسى الكبرى التي كانت شاهداً على إرتباطه بالله ولم يطأطىء رأسه للدلائل المنطقية ... بل بقي مصرّاً لما كان فيه من غرور وتكبّر : (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ).
والطريف أنّ الجبابرة المتكبرين حين كانوا يتّهمون الأنبياء بالكذب والإفتراء كانوا يتناقضون تناقضاً عجيباً ، فتارةً يتّهمونهم بأنّهم سحرة ، واخرى بأنّهم مجانين ، مع أنّ الساحر ينبغي أن يكون ذكيّاً وأن يعوّل على مسائل دقيقة ويعرف نفوس الناس حتى يسحرهم ويخدعهم بها ... والمجنون بخلافه تماماً.
إلّا إنّ القرآن يخبر عن فرعون الجبار وأعوانه بقوله : (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِى الْيَمّ وَهُوَ مُلِيمٌ).
جملة «فنبذناهم» إشارة إلى أنّ فرعون وجنوده كانوا في درجة من الضعف أمام قدرة الله بحيث ألقاهم في اليمّ كأنّهم موجود لا قيمة ولا مقدار له.
المراد بالمليم ذو الملامة ؛ أي هو الشخص الذي يرتكب عملاً يكون بنفسه ملامة.
والتعبير ب «وهو مليم» إشارة إلى أنّ العقاب الإلهي لم يَمحُه فحسب بل التاريخ من بعده يلومه على أعماله المخزية ويذكرها بكل ما يشينه ويلعنه ويفضح غروره وتكبره بإماطة النقاب عنهما.
ثم يتناول القرآن عاقبة قوم آخرين بالذكر وهم «قوم عاد» ، فيقول : (وَفِى عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرّيحَ الْعَقِيمَ).
ثم يذكر القرآن سرعة الريح المسلطة على عاد فيقول : (مَا تَذَرُ مِن شَىْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ).
«الرميم» : مأخوذ من الرمّة وهي العظام النخرة البالية. وهذا التعبير يدل على أنّ سرعة الريح المسلطة على قوم عاد لم تكن سرعة طبيعية ، بل إضافةً إلى تخريبها البيوت وهدمها المنازل ، فهي محرقة وذات سموم مما جعلت كل شيء رميماً.