والقرآن هنا يكشف عما جرى لرسل الله إلى نبيّه لوط فيقول : (فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ الْمُسْلِمِينَ).
أجل عدالتنا لا تسمح أن يبتلى المؤمن بعاقبة الكافر.
وهذا هو ما أشارت إليه الآيتان (٥٩ و ٦٠) من سورة الحجر بالقول : (إِلَّاءَالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ).
إنّ هذا القسم من قصة قوم لوط ورد في هذه السور الخمس في عبارات مختلفة وجميعها يتحدث عن حقيقة واحدة ... إلّاأنّه حيث يمكن أن ينظر إلى حادثة ما من زوايا متعددة وكل زاوية لها بعدها الخاصّ ... فإنّ القرآن ينقل الحوادث التاريخية ـ على هذه الشاكلة ـ غالباً.
وفي مقام التربية يلزم أحياناً أن يعول على مسألة مهمّة مراراً لتترك أثرها العميق في ذهن القارىء.
فإنّ الله سبحانه زلزل مدن قوم لوط وقلب عاليها سافلها ثم أمطرها بحجارة من سجّيل منضود ولم يبق منها أثراً ... حتى أنّ أجسادهم دفنت تحت الأنقاض والحجارة لتكون عبرةً لمن يأتي بعدهم من المجرمين والظالمين غير المؤمنين.
ولذلك فإنّ القرآن يضيف قائلاً في آخر آية من الآيات محل البحث : (وَتَرَكْنَا فِيهَاءَايَةً لّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ).
وهذا التعبير يدلّ بوضوح أنّ من يعتبر ويتّعظ بهذه الآيات هم الذين لديهم إستعداد للقبول في داخل كيانهم ويحسّون بالمسؤولية.
(وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) (٤٦)
دروس العبرة من الأقوام السالفة : يتحدث القرآن في هذه الآيات محل البحث ـ تعقيباً