(قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) (٣٧)
مُدن قوم لوط المدمّرة آية وعبرة : تعقيباً على ما سبق من الحديث عن الملائكة الذين حلّوا ضيفاً على إبراهيم وبشارتهم إيّاه في شأن الولد «إسحاق» تتحدث هذه الآيات عمّا دار بينهم وبين إبراهيم في شأن قوم لوط.
توضيح ذلك : إنّ إبراهيم بعد ما ابعد إلى الشام ... واصل دعوة الناس إلى الله ومواجهته لكل أنواع الشرك وعبادة الأصنام ... وقد عاصر إبراهيم الخليل «لوط» أحد الأنبياء العظام ويُحتمل أنّه كان مأموراً من قبله بتبليغ الناس وهداية الضالين ، فسافر إلى بعض مناطق الشام «أي مدن سدوم» فحلّ في قوم مجرمين ملوّثين بالشرك والمعاصي الكثيرة ، وكان أقبحها تورّطهم في الإنحراف الجنسي واللواط ، وأخيراً فقد أمر رهط من الملائكة بعذابهم وهلاكهم إلّاأنّهم مرّوا بإبراهيم قبل إهلاكهم.
وقد عرف إبراهيم من حال الضيف (الملائكة) أنّهم ماضون لأمر مهم ، ولم يكن هدفهم الوحيد البشرى بتولد إسحاق ، لأنّ واحداً منهم كان كافياً لمهمة «البشارة» ، أو لأنّهم كانوا عَجِلين فأحسّ بأنّ لديهم «مأمورية مهمّة. لذلك فإنّ أوّل آية من الآيات محل البحث تحكي بداية المحاورة فتقول : (قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ).
فأماط الملائكة اللثام عن «وجه الحقيقة» ومأموريتهم ف (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ).
ثم أضافوا قائلين : (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن طِينٍ).
والتعبير ب «حجارة من طين» هو ما أشارت إليه الآية (٨٢) من سورة هود بالقول من «سجّيل» ؛ ولعلها في المجموع إشارة إلى هذا المعنى وهو أنّ هلاك قوم لوط المجرمين لم يكن يستلزم إنزال أحجار عظيمة وصخور وجلاميد من السماء ، بل كان يكفي أن يمطروا بأحجار صغيرة ليست صلبة جدّاً كأنّها حبّات «المطر».
ثم أضاف الملائكة قائلين : (مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبّكَ لِلْمُسْرِفِينَ).