كانت في الآيات السابقة إشارة وتلميح عن عذاب الله في يوم القيامة ـ بصورة مغلقة ـ أمّا الآيات محل البحث ففيها توضيح وتفسير لما مرّ ، فتتحدث أوّلاً عن بعض حالات يوم القيامة وخصائصه ، ثم عن كيفية تعذيب المكذبين فتقول : (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا).
«المَوْر» : معناه الحركة السريعة والدوران المقترن بالذهاب والإياب والاضطراب والتموّج. وعلى هذا فإنّ النظام الحاكم على الكرات يضطرب بين يدي يوم القيامة وتنحرف عن مداراتها وتتّجه إلى كل جهة ذهاباً وإيّاباً ، ثم تتبدّل وتولّد سماء جديدة بأمر الله كما تقول الآية (١٠٤) من سورة الأنبياء : (يَوْمَ نَطْوِى السَّمَاءَ كَطَىّ السّجِلّ لِلْكُتُبِ).
ثم يضيف القرآن في آية اخرى : (وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا).
كل ذلك هو إشارة إلى أنّ هذه الدنيا وما فيها وما عليها تندكّ ويحدث مكانها عالم جديد بأنظمة جديدة ويكون الإنسان أمام نتائج أعماله وجهاً لوجه.
لذا فإنّ القرآن يضيف في الآية التالية قائلاً : (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ).
أجل ، حين تعمّ الوحشة والإضطراب جميع الخلق لتغيّر العالم ، تهيمن على المكذبين وحشة عظيمة وهي العذاب الإلهي ... لأنّ «الويل» : إظهار التأسف والحزن لوقوع حادثة غير مطلوبة.
ثم تبيّن الآيات من هم «المكذبون» فتقول : (الَّذِينَ هُمْ فِى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ).
فيزعمون أنّ آيات القرآن ضرب من الكذب والإفتراء وأنّ معجزات النبي سحر وأنّه مجنون ، ويتلقّون جميع الحقائق باللعب ويسخرون منها ويستهزئون بها.
«خوض» : معناه الدخول في الكلام الباطل ، وهو في الأصل ورود الماء والعبور منه.
ثم تبيّن الآيات ذلك اليوم وعاقبة هؤلاء المكذبين في توضيح آخر ، فتقول : (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) (١). أي يساقون نحو جهنم بعنف وشدة.
ويقال لهم حينئذ : (هذِهِ النَّارُ الَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ).
كما يقال لهم أيضا : (أَفَسِحْرٌ هذَا أَمْ أَنتُمْ لَاتُبْصِرُونَ).
لقد كنتم تزعمون في الدنيا إنّ ما جاء به محمّد سحر ، وليختطف عقولنا! ويرينا اموراً على أنّها معاجز ، ويذكر لنا كلاماً على أنّه وحي منزل من الله.
__________________
(١) «دعّ» : على وزن جدّ معناه الدفع الشديد والسوق بخشونة وعنف.