لذلك فحين يردون نار جهنم يقال لهم بنحو التوبيخ والملامة والإحتقار وهم يلمسون حرارة النار : أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون؟!
كما يقال لهم هناك أيضاً : (اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَاتَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
أجل ، هذه هي أعمالكم وقد عادت إليكم ، فلا ينفع الجزع والفزع والآه والصراخ ولا أثر لكل ذلك أبداً.
وهذه الآية تأكيد على «تجسم الأعمال» وعودتها نحو الإنسان ، وهي تأكيد جديد أيضاً على عدالة الله ... لأنّ نار جهنم مهما كانت شديدة ومحرقة فهي ليست سوى نتيجة أعمال الناس أنفسهم ، وأشكالها المتبدلة هناك.
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) (٢١)
تعقيباً على المباحث الواردة في الآيات المتقدمة حول عقاب المجرمين وعذابهم الأليم تذكر الآيات محل البحث ما يقابل ذلك من المواهب الكثيرة والثواب العظيم للمؤمنين والمتقين لتتجلى بمقايسة واضحة مكانة كل من الفريقين. تقول الآية الاولى من الآيات محل البحث : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ).
والتعبير ب «المتقين» بدلاً من المؤمنين ، لأنّ هذا العنوان يحمل مفهوم الإيمان ، كما يحمل مفهوم العمل الصالح أيضاً ، خاصة أنّ «التقوى تقع مقدمةً وأساساً للإيمان في بعض المراحل.
ثم يتحدث القرآن عن تأثير هذه النِعَم الكبرى على روحية أهل الجنة فيقول في الآية التالية : (فَاكِهِينَ بِمَاءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ) (١).
__________________
(١) «فاكهين» : مشتقة من فكه ومعناها كون الإنسان مسروزاً ، وجعل الآخرين مسرورين بالكلام العذب.