خاصةً أنّ الله قد طمأنهم وآمنهم من العقاب : (وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ).
وهذه الجملة قد تكون ذات معنين ... الأوّل بيان النعمة المستقلة قبال نعم الله الاخر ... والثاني أن يكون تعقيباً على الكلام السابق ، أي أنّ أهل الجنة مسرورون من شيئين «بما آتاهم الله من النعم في الجنة ، و «بما وقاهم من عذاب الجحيم».
ثم تشير الآية الاخرى إلى نعم المتقين في الجنة فتقول : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
والتعبير ب «هنيئاً» هو إشارة إلى أنّ أطعمة الجنة وشرابها السائغة غير منغّصة ، فهي ليست كأطعمة الدنيا وشرابها التي تجرّ الإنسان إلى الوبال عند الإفراط أو التفريط بها ... إضافةً إلى كل ذلك لا يحصل عليها بمشقة ، ولا يخاف من إنتهائها ، ولذلك فهي هنيئة.
ومن المعلوم أنّ أطعمة الجنة هنيئة بذاتها ، ولكن قول الملائكة لأهل الجنة «هنيئاً» هذا القول له لطفه وعذوبته الخاصة.
والنعمة الاخرى التي يتمتع بها أهل الجنة هي كونهم : (مُتَّكِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ).
فهم يلتذّون بالاستئناس إلى أصحابهم والمؤمنين الآخرين ، وهذه لذة معنوية فوق أية لذة اخرى.
وهذا التعبير لا ينافي ما ورد في هذه الآية محل البحث ، لأنّ مجالس الانس والسرور ترتّب الأسرة فيها على شكل مستدير ومصفوفة جنباً إلى جنب ، فجلّاسها على سرر مصفوفة متقابلون.
والتعبير ب «متكئين» إشارة إلى منتهى الهدوء ، لأنّ الإنسان عند الهدوء يتكىء عادةً ، والذين هم في قلق وحزن لا يرون كذلك.
ثم يضيف القرآن بأنّا زوّجناهم من نساء بيض جميلات ذوات أعين واسعة (وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) (١).
هذه بعض من نعم أهل الجنة المادية والمعنوية ، إلّاأنّهم لا يكتفون بهذه النعم فحسب ،
__________________
(١) «الحور» : جمع حوراء وأحور ، فهو جمع للمذكّر والمؤنث سواء ، ويطلق على من حدقة عينه سوداء وبياضها شفّاف أو هو كناية عن الجمال ، لأنّ الجمال يتجلّى في العينين قبل كل شيء ، والعين جمع لأعين وعيناء ، معناه العين الواسعة ؛ وهكذا فإنّ الحور العين مفهوماً واسعاً يشمل الأزواج جميعاً الذكور والإناث من أهل الجنة فالذكور للإناث وبالعكس.