ثم تذكر الآية التالية الهدف النهائي من نزول القرآن ، فتقول : (هُدًى وَرَحْمَةً لّلْمُحْسِنِينَ).
إنّ الهداية مقدّمة لرحمة الله ، لأنّ الإنسان يجد الحقيقة أوّلاً في ظلّ نور القرآن ، ويعتقد بها ويعمل بها ، وبعد ذلك يكون مشمولاً برحمة الله الواسعة ونعمه التي لا حدّ لها.
ثم تصف الآية التالية المحسنين بثلاث صفات ، فتقول : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُم بِالْأَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).
فإنّ إرتباط هؤلاء بالخالق عن طريق الصلاة ، وبخلق الله عن طريق الزكاة ، ويقينهم بمحكمة القيامة باعث قوي على الإبتعاد عن الذنب والمعصية ، ودافع لأداء الواجبات.
وتبيّن الآية الأخيرة ـ من الآيات مورد البحث ـ عاقبة عمل المحسنين ، فتقول : (أُولئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
جملة (أُولئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبّهِمْ) توحي بأنّ هداية اولئك قد ضُمنت من قبل ربّهم.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (٦) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللهِ حَقّاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٩)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : نزل قوله (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ) : في النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد الدار بن قصي بن كلاب ، كان يتّجر فيخرج إلى فارس ، فيشتري أخبار الأعاجم ويحدث بها قريشاً ويقول لهم : إنّ محمّداً يحدّثكم بحديث عاد وثمود وأنا احدثكم بحديث رستم ، واسفنديار ، وأخبار الأكاسرة. فيستمعون حديثه ويتركون استماع القرآن.
التّفسير
الغناء أحد مكائد الشياطين الكبيرة : الكلام في هذه الآيات عن جماعة يقعون تماماً في الطرف المقابل لجماعة المحسنين والمؤمنين الذين ذكروا في الآيات السابقة. الكلام والحديث