هنا عن جماعة يستخدمون طاقاتهم من أجل بثّ اللاهدفية وإضلال المجتمع ، ويشترون شقاء وبؤس دنياهم وآخرتهم. فتقول أوّلاً : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا). ثم تضيف أخيراً : (أُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ).
إنّ شراء لهو الحديث والكلام الأجوف إمّا أن يتمّ عن طريق دفع المال في مقابل سماع الخرافات والأساطير ، أو أن يكون عن طريق شراء المغنّيات لعقد مجالس اللهو والباطل والغناء. ويحتمل أيضاً أن يكون للشراء هنا معنى كنائي ، والمراد منه كل أنواع السعي للوصول إلى هذه الغاية.
وأمّا (لَهْوَ الْحَدِيثِ) فإنّ له معنىً واسعاً يشمل كل نوع من الكلام أو الموسيقى أو الترجيع الذي يؤدّي إلى اللهو والغفلة ، ويجرّ الإنسان إلى اللاهدفية أو الضلال ، سواء كان من قبيل الغناء والألحان والموسيقى المهيّجة المثيرة للشهوة والغرائز والميول الشيطانية ، أو الكلام الذي يسوق الإنسان إلى الفساد عن طريق محتواه ومضامينه.
ولجملة (لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ) مفهوم واسع أيضاً ، يشمل الإضلال العقائدي ، كما قرأنا ذلك في قصة النضر بن الحرث وأبي جهل ، وكذلك يشمل الإفساد الأخلاقي كما جاء في أحاديث الغناء.
والتعبير ب (بِغَيْرِ عِلْمٍ) إشارة إلى أنّ هذه الجماعة الضالة المنحرفة لا تؤمن حتى بمذهبها الباطل ، بل يتّبعون الجهل والتقليد الأعمى لا غير.
أمّا وصف العذاب ب (المهين) فلأنّ العقوبة متناغمة مع الذنب ، فإنّ هؤلاء قد استهزؤوا بآيات الله وأهانوها ، ولذلك فإنّ الله سبحانه قد أعدّ لهم عذاباً مهيناً ، إضافة إلى كونه أليماً.
وأشارت الآية التالية إلى ردّ فعل هذه الفئة أمام آيات الله ، وتوحي بالمقارنة بردّ فعلهم تجاه لهو الحديث ، فتقول : (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِءَايَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِى أُذُنَيْهِ وَقْرًا). أي ثقلاً يمنعه من السماع ..
ثم تذكر أخيراً عقاب مثل هؤلاء الأفراد الأليم فتقول : (فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).
إنّ التعبير ب (وَلَّى مُسْتَكْبِرًا) إشارة إلى أنّ إعراضه لم يكن نابعاً من تضرّر مصالحه الدنيوية والحدّ من رغباته وشهواته فحسب ، بل إنّ الأمر أكبر من ذلك ، فإنّ فيه دافع التكبر أمام عظمة الله وآياته ، وهو أعظم ذنب فيه.
إنّ تعبير (بشّر) في مورد العذاب الإلهي الأليم ، يتناسب مع عمل المستكبرين الذين كانوا يتخذون آيات الله هزواً.