ثم تعود الآيات التالية إلى شرح وتبيان حال المؤمنين الحقيقيين ، وقد بدأت السورة في مقارنتها هذه بذكر حالهم أوّلاً ثم ختمت به في نهاية هذا المقطع أيضاً ، فتقول : (إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ).
والأهم من ذلك أنّ هذه الجنان الوافرة النعم خالدة لهؤلاء : (خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللهِ حَقًّا) والله سبحانه لا يعد كذباً ، وليس عاجزاً عن الوفاء بوعوده (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
وللنعيم معنىً واسع يشمل كل أنواع النعم المادية والمعنوية.
بحثان
١ ـ تحريم الغناء : لا شك في أنّ الغناء بصورة إجمالية حرام على المشهور بين علماء الشيعة ، وتصل هذه الشهرة إلى حد الإجماع.
والذي يمكن استفادته من مجموع كلمات فقهاء في هذا المجال ، أنّ الغناء هو الأصوات والألحان التي تناسب مجالس الفسق والفجور ، وأهل المعصية والفساد ، ويحرّك القوى الشهوانية في الإنسان.
والملفت للنظر أنّ بعض الألحان تعدّ أحياناً غناءً ولهواً باطلاً بذاتها ومحتواها ، مثال ذلك أشعار العشق والغرام والأشعار المفسدة التي تُقرأ بألحان وموسيقى راقصة.
وقد تكون الألحان بذاتها غناءً أحياناً اخرى ، مثال الأشعار الجيدة ، أو آيات القرآن والدعاء والمناجاة التي تُقرأ بلحن يناسب مجالس الفاسدين والفساق ، وهو حرام في كلتا الصورتين «فتأمل».
ومن الطبيعي أن يكون للغناء موارد شك ـ ككل المفاهيم الاخرى ـ وأنّ الإنسان لا يعلم حقّاً هل أنّ الصوت الفلاني يناسب مجالس الفسق والفجور ، أم لا؟ وفي هذه الصورة يحكم بالحلّية بحكم أصل البراءة.
والكلام الأخير هو أنّ ما ذُكر أعلاه يتعلق بالغناء ، وأمّا استعمال الآلات الموسيقية وحرمتها ، فهو بحث آخر خارج عن هذا الموضوع.
٢ ـ فلسفة تحريم الغناء : فبنظرة سريعة إلى معطيات الغناء سنواجه المفاسد أدناه :
أوّلاً : الترغيب والدعوة إلى فساد الأخلاق :
لقد بيّنت التجربة أنّ كثيراً من الأفراد الواقعين تحت تأثير موسيقى وألحان الغناء قد تركوا طريق التقوى ، واتّجهوا نحو الشهوات والفساد.