على قول السدي : إن هذا السؤال قبل يوم القيامة لأن الإيمان لا ينفع في القيامة ، وقيل : هذا في الفريقين منهم معناه : إن تعذب من كفر منهم ، وإن تغفر لمن آمن منهم ، وقيل : ليس هذا على وجه طلب المغفرة ولو كان كذلك لقال : [إنك](١) أنت الغفور الرحيم ، ولكنه على تسليم الأمر وتفويضه إلى مراده ، وأما السؤال الثاني فكان ابن مسعود رضي الله عنه يقرأ «وإن تغفر لهم فإنّك أنت الغفور الرحيم» ، وكذلك هو في مصحفه ، وأمّا على القراءة المعروفة قيل : فيه تقديم وتأخير تقديره : وإن تغفر لهم فإنهم عبادك وإن تعذبهم فإنك أنت العزيز الحكيم ، وقيل : معناه إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز في الملك الحكيم في القضاء لا ينقص من عزّك شيء ، ولا يخرج من حكمك ويدخل في حكمته ومغفرته وسعة رحمته ومغفرته الكفار (٢) ، لكنه أخبر أنه لا يغفر وهو لا يخلف خبره.
[٨٥٥] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ثنا محمد بن عيسى الجلودي حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان حدثنا مسلم بن الحجاج حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي (١) حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو (٢) بن الحارث أن بكر بن سوادة حدّثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص :
أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم تلا قول الله تعالى في إبراهيم : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) [إبراهيم : ٢٦] الآية ، وقول عيسى عليهالسلام : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)) ، فرفع يديه وقال : «اللهمّ أمتي وبكى» ، فقال الله عزوجل : يا جبريل اذهب إلى محمد وربّك أعلم فسله ما يبكيه ، فأتاه جبريل فسأله ، فأخبره رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما قال ، فقال الله تعالى : «يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنّا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك».
(قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٢٠))
(قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) ، قرأ نافع «يوم» بنصب الميم ، يعني : تكون هذه الأشياء في يوم ، فحذف في فانتصب ، وقرأ الآخرون بالرفع على أنه خبر (هذا) ، أي : ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم في الآخرة ، ولو كذبوا ختم الله على أفواههم ونطقت به جوارحهم فافتضحوا ، وقيل : أراد (٣) بالصادقين النبيّين ، وقال الكلبي : ينفع المؤمنين إيمانهم ، قال قتادة : متكلمان يخطبان (٤) يوم القيامة عيسى
__________________
[٨٥٥] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.
ابن وهب هو عبد الله.
وهو في «شرح السنة» ٤٢٣٣ بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٢٠٢ عن يونس بن عبد الأعلى الصدفي به.
وأخرجه ابن مندة في «الإيمان» ٩٢٤ وابن حبان ٧٢٣٤ و ٧٢٣٥ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٤٦٠ من طرق عن ابن وهب به.
(١) وقع في الأصل «الصيرفي» والتصويب عن «شرح السنة» و «صحيح مسلم».
(٢) وقع في الأصل «عمر» والتصويب من «شرح السنة» و «صحيح مسلم» وغيرهما.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «للكفار».
(٣) تصحف في المطبوع «أرادوا».
(٤) في المطبوع وط «لا يخطئان».