رأسه التراب ، فقال له النصارى : من أنت؟ قال : بولص عدوّكم فنوديت من السماء ليست لك [توبة] إلا أن تتنصّر وقد تبت [ورجعت عن دين اليهودية](١) ، فأدخلوه الكنيسة ، ودخل بيتا سنة لا يخرج منه ليلا ولا نهارا حتى تعلّم الإنجيل ، ثم خرج وقال : نوديت أن الله قبل توبتك ، فصدّقوه وأحبّوه ثم مضى إلى بيت المقدس واستخلف عليهم نسطورا وأعلمه أن عيسى ومريم والإله كانوا ثلاثة ، ثم توجه إلى الروم وعلمهم اللّاهوت والناسوت ، وقال : لم يكن عيسى بإنس ولا بجسم ولكنه ابن الله ، وعلّم ذلك رجلا يقال له يعقوب ، ثم دعا رجلا يقال له ملكا فقال له : إن الإله لم يزل ولا يزال عيسى فلما استمكن منهم دعا هؤلاء الثلاثة واحدا واحدا ، وقال لكل واحد منهم : أنت خالصتي ، وقد رأيت عيسى في المنام فرضي عني وقال لكل [واحد] منهم إني غدا أذبح نفسي ، فادع الناس إلى نحلتك (٢) ، ثم دخل المذبح فذبح نفسه وقال : إنما أفعل ذلك لمرضاة عيسى ، فلما كان يوم ثالثه دعا كل واحد منهم الناس إلى نحلته (٣) ، فتبع كلّ واحد طائفة من الناس ، فاختلفوا واقتتلوا فقال الله عزوجل : (وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) ، يقولون بألسنتهم من غير علم. قال أهل المعاني : لم يذكر الله تعالى قولا مقرونا بالأفواه والألسن إلا كان ذلك زورا. (يُضاهِؤُنَ) ، قرأ عاصم بكسر الهاء مهموزا ، والآخرون بضم الهاء غير مهموز (٤) ، وهما لغتان يقال : ضاهيته وضاهأته ، ومعناهما واحد. قال ابن عباس رضي الله عنه : يشابهون. والمضاهاة المشابهة. وقال مجاهد : يوطئون. وقال الحسن : يوافقون ، (قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) ، قال قتادة والسدي : ضاهت النصارى قول اليهود من قبل ، فقالوا : المسيح ابن الله كما قالت اليهود من قبل عزير ابن الله. وقال مجاهد : يضاهئون قول المشركين من قبل الذين كانوا يقولون اللّات والعزّى ومناة بنات الله. وقال الحسن : شبّه كفرهم بكفر الذين مضوا من الأمم الكافرة كما قال في مشركي العرب : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ). وقال القتيبي : يريد أن من كان في عصر النبيّ صلىاللهعليهوسلم من اليهود والنصارى يقولون ما قال أوّلهم (٥) ، (قاتَلَهُمُ اللهُ) ، قال ابن عباس : لعنهم الله. وقال ابن جريج : أي : قتلهم الله. وقيل : ليس هو على تحقيق المقاتلة ولكنه بمعنى العجب ، (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) ، أي : يصرفون عن الحق بعد قيام الأدلّة عليه.
(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١))
(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ) ، أي : علماءهم وقرّاءهم ، والأحبار العلماء واحدها حبر ، وحبر بكسر الحاء وفتحها ، والرهبان من النصارى أصحاب الصوامع واحدها راهب ، كصاحب وصحبان ، (أَرْباباً) ، فإن قيل : إنهم لم يعبدوا الأحبار والرهبان؟ قلنا : معناه أنهم أطاعوهم في معصية الله واستحلّوا ما أحلّوا وحرّموا ما حرّموا ، فاتخذوهم كالأرباب.
[١٠٥٨] روي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفي عنقي صليب من
__________________
[١٠٥٨] ـ يشبه الحسن. أخرجه الترمذي ٣٠٩٥ والطبري ١٦٦٣١ و ١٦٦٣٢ والطبراني في «الكبير» (٧ / ٩٢) من حديث.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «تحلك» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «تحلته» والمثبت عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «مهموزا» والتصويب عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «أوّلوهم» والمثبت عن المخطوط.