أو ثلاثون؟ قالوا : لا ، حتى بلغ خمسة ، قالوا : لا ، قال : أرأيتم إن كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها؟ قالوا : لا ، قال لهم إبراهيم عند ذلك : إن فيها لوطا ، قالوا : نحن أعلم بمن فيها ، لننجيه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ، [فذلك قوله إخبارا عن إبراهيم عليهالسلام : (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ)](١).
(إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥)) ، قال ابن جريج : وكان في قرى قوم لوط أربعة آلاف ألف ، فقالت الرسل عند ذلك لإبراهيم.
(يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) ، المقال ودع عنك الجدال ، (إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) ، عذاب ربّك وحكم ربك ، (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ) ، نازل بهم ، (عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) ، أي : غير مصروف عنهم.
قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا) ، يعني : هؤلاء الملائكة ، (لُوطاً) ، على صورة غلمان مرد حسان الوجوه ، (سِيءَ بِهِمْ) ، أي : حزن لوط بمجيئهم [يقال](٢) سوأته فسيء ، كما يقال : سررته فسر.
(وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) ، أي : قلبا. يقال : ضاق ذرع فلان بكذا إذا وقع في مكروه لا يطيق الخروج منه ، وذلك أن لوطا عليهالسلام لما نظر إلى حسن وجوههم وطيب روائحهم أشفق عليهم من قومه أن يقصدوهم بالفاحشة ، وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عنهم. (وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ) ، أي : شديد لأنه (٣) عصب به الشرّ والبلاء ، أي : شدّ.
قال قتادة والسدي : خرجت الملائكة من عند إبراهيم عليهالسلام نحو قرية قوم لوط فأتوا لوطا نصف النهار وهو في أرض له يعمل فيها. وقيل : إنه كان يحتطب. وقد قال الله تعالى للملائكة : لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات ، فاستضافوه فانطلق بهم [إلى منزله](٤) ، فلما مشى ساعة قال لهم : ما بلغكم أمر أهل هذه القرية؟ قالوا : وما أمرهم؟ قال : أشهد بالله إنها لشرّ قرية في الأرض عملا يقول ذلك أربع مرات [وكل مرة يقول جبريل للملائكة اكتبا](٥) ، فدخلوا معه منزله.
وروي : أنه حمل الحطب وتبعته الملائكة فمرّ على جماعة من قومه فتغامزوا (٦) فيما بينهم ، فقال لوط : إن قومي أشر (٧) خلق الله ، ثم مرّ على قوم آخرين ، فغمزوا ، فقال مثله ، ثم مرّ بقوم [آخرين](٨) فقال مثله ، ثم مرّ بقوم آخرين ، فقال مثله ، فكان كلما قال لوط هذا القول قال جبريل للملائكة : اشهدوا ، حتى أتى منزله.
وروي : أن الملائكة جاءوا إلى بيت لوط فوجدوه في داره ولم يعلم بذلك أحد إلّا أهل بيت لوط ، فخرجت امرأته فأخبرت قومها ، وقالت : إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط.
(وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠))
(وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ) ، قال ابن عباس وقتادة : يسرعون إليه. وقال مجاهد : يهرولون ، وقال
__________________
(١) زيد في المطبوع وط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع وط «كأنه».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «فغمزوا».
(٧) في المطبوع «شر».
(٨) زيادة عن المخطوط.