الكمال ، ولا يشق عليه لاقتضاء اخلاقه وصفاته لذلك ، بحيث لو فارقه ذلك لفارق ما هو من طبيعته وسجيته ، فحياة من قد طبع على الحياء والعفة ، والجود والسخاء ، والصدق والوفاء ، ونحوها ، أتمّ من حياة من يقهر نفسه ، ويغالب طبعه ، حتى يكون كذلك ، فان هذا بمنزلة من تعارضه أسباب الداء وهو يعالجها ويقهرها بأضدادها ، وذلك بمنزلة من قد عوفي من ذلك.
وكلما كانت هذه الاخلاق في صاحبها أكمل كانت حياته أقوى وأتم ، ولهذا كان خلق «الحياء» مشتقا من «الحياة» اسما وحقيقة ، فأكمل الناس حياة أكملهم حياء ، ونقصان حياء المرء نقصان من حياته ، فان الروح اذا ماتت لم تحس بما يؤلمها من القبائح ، فلا تستحيي منها ، فاذا كانت صحيحة الحياة أحست بذلك فاستحيت منه ، وكذلك سائر الاخلاق الفاضلة والصفات الممدوحه تابعة لقوة الحياة ، وضدها من نقصان الحياة.
ولهذا كانت حياة الشجاع أكمل من حياة الجبان ، وحياة السخي أكمل من حياة البخيل ، وحياة الفطن أكمل من حياة الفدم البليد. ولهذا لما كان الانبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ أكمل الناس حياة ، حتى ان قوة حياتهم تمنع الارض أن تبلي أجسامهم ، كانوا أكمل الناس في هذه الاخلاق ، ثم الامثل فالامثل من أتباعهم».
الأخلاق ـ اذن ـ هي الروح ، وهي الحياة ، والانسان لا يكون انسانا فاضلا كاملا الا بمكارم الاخلاق. وأخلاق القرآن هي أخلاق الانسانية العليا والحياة المثلى ، فلا عجب اذا استحوذت على الالباب. وامتدت في الحديث عنها الاسباب.
فيا رب الارباب ، يا مصدر التوفيق ، ويا خير رفيق. لقد شاءت ارادتك ، أن تتسع رحمتك ، فتدفع بهذا القلم الى الاشتغال بالقرآن.