يسألها». وكأن هذا حث على التطوع بالشهادة الصادقة ، حتى ولو لم يطلبها أحد من الشهيد ، ولا تعارض بين هذا الحديث والحديث الآخر الذي جاء فيه :
«ان خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السّمن».
لا تعارض بين الحديثين ، لأن المراد في الحديث الاخير هو شاهد الزور ، اذ يشهد بما لم يستشهد ، أي بما لم يتحمّله ، أو يراد به الذي يدفعه الشره ويحمله على تنفيذ ما يشهد به ، فيبادر مسرعا بالشهادة قبل أن تطلب منه ، فهذا شهادته مردودة ، لأن تسرعه يدل على وجود هوى غالب عند الشاهد.
* * *
وكأن الله جل جلاله أراد ـ وهو سبحانه أعلم بمراده ـ أن يعرّض بالذين يكتمون الحق ويكتمون الشهادة ، فذلك حين أعلم عباده أن اعضاء الضالين واطراف الآثمين ، تشهد عليهم بالحق يوم القيامة ، مع انها لا لسان لها في الدنيا ولا بيان ، وقد ورد هذا التعريض البليغ في مواطن عدة منها :
١ ـ في سورة النور :
«يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ»(١).
٢ ـ في سورة يس :
__________________
(١) سورة النور ، الآية ٢٤.