العصاة من المؤمنين فقد تشهد عليهم بعض أعضائهم بالعصيان ، ولكن تشهد لهم بعض أعضائهم أيضا بالاحسان» وكما قيل :
بيني وبينك يا ظلوم الموقف |
|
والحاكم العدل الجواد المنصف |
وفي بعض الأخبار المروية المسندة أن عبدا تشهد عليه أعضاؤه بالزلة ، فيتطاير شعره من جفن عينيه ، فتستأذن بالشهادة له ، فيقول الحق : تكلمي يا شعرة جفن عبدي ، واحتجي عن عبدي ، فتشهد له بالبكاء من خوفه ، فيغفر له ، وينادي مناد : «هذا عتيق الله بشعرة».
ولقد تعرض الصوفية ـ على طريقتهم الخاصة ـ لفضيلة الشهادة ، فقال عمرو بن عثمان المكي : «المشاهدة وصل بين رؤية القلوب ورؤية العيان». وقال أبو سعيد الخراز : «من شاهد الله بقلبه خنس عنه ما دونه ، وتلاشى كل شيء ، وغاب عند وجود عظمة الله تعالى ، ولم يبق في القلب الا الله عزوجل».
أما بعد ، فان الشهادة التي عدها القرآن المجيد خلقا من أخلاقه ، وفضيلة من فضائله ، يراد بها حياة قلب ، ويقظة عقل ، وصفاء روح ، وطاعة بدن ، واستقامة طريق ، وعدالة رأي ، وبهذا يصير صاحب هذه الفضيلة كأنه يعلم الحق ويراه ، ويلازمه في غدوه ورواحه ، فيصبح جديرا بأن يكون ممن قال الله فيهم : «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ، ويكون الرسول عليكم شهيدا».