وفي الآية وعيد شديد لأولئك الذين يكشفون العورات ، ويتتبعون العيوب ، ويعملون على اذاعة الفواحش والآثام بين المؤمنين ، حتى يسهل أمرها على الراغبين فيها ، أو المتطلعين اليها ، وتصبح أمرا معروفا مألوفا ، يتجارأ عليه من كان بالامس يجهله أو يهابه ويخشاه.
ويقول الشيخ الجبالي في كتابه «شفاء الصدور بتفسير سورة النور» هذه العبارة : «وانك اذا تأملت في تعليق الشيوع بالفاحشة نفسها ـ مع أن المراد شيوع خبرها والحديث فيها ـ وجدت بابا آخر من الارشاد. ذلك أن الاسماع التي لم يطرقها حديث الفحشاء ، تجد أصحابها في أكمل نفرة من خطراتها على نفوسهم ، فاذا ما طرق سمع أحدهم حديث فحش مرة اشمأزت نفسه وأكبرت الامر ، وملكه من الهلع والذعر الشيء الكبير ، فاذا ما تكرر على سمعه مرة أخرى كان اشمئزازه أخفّ ، ونفرته أقل.
فلا يزال يتكرر حديث الفحش حتى يصبح أمرا مألوفا لا يستنكره ولا ينفر منه ، وقد يزيد حتى يستمرىء الحديث ويصغي اليه. وهنا تنفتح أمامه هوة التدهور ، فيتردى فيه ، وقد مات حارسه ، وهو عاطفة الاستنكار والنفرة.
فترى بذلك أن حب شيوع الحديث كحب شيوع نفس الفاحشة ، فلا جرم عبر به عنه.
ومما يزيدك استبصارا في هذا ، ما ترى من تحرج الآباء عن ذكر مثل هذه الاخبار أمام أبنائهم الاحداث. فما ذاك الا لما وقر في النفوس من أن ذكر الفحش يلفت النفوس اليه فتردى فيه.
وهل يشك أحد في أن من أساليب الترغيب في الشيء ـ خيرا كان أو شرا ـ تكرار ذكر حوادثه وتفاصيل شؤونه»؟.